تنامي ظاهرة بيع الرضع إلى نحو 60 في المئة.
دقت أوساط حقوقية في تونس ناقوس الخطر بسبب الارتفاع المخيف لنسبة بيع الرضع في البلاد التي بلغت نحو 60 في المئة في العام الماضي، وحذر خبراء من الصمت الحكومي إزاء هذه الظاهرة وسط تصاعد جرائم الاتجار بالبشر في البلاد.
تونس - خلف تنامي ظاهرة بيع الرضع في تونس حالة من القلق في البلاد، التي باتت تعاني من ارتفاع معدلات العنف والجريمة وتزايد مقلق في ظاهرة الاتجار بالبشر.
وأطلقت رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في تونس روضة العبيدي في الآونة الأخيرة، صيحة فزع لوقف جرائم بيع الرضع في البلاد.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن روضة العبيدي قولها إن بيع الرضع زاد بنحو 60.5 في المئة سنة 2020 مقارنة بـ2019.
وأشارت إلى أن جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال زادت بنسبة 186 في المئة سنة 2020 مقارنة بـ2019.
وكشفت العبيدي أنه يتم تسجيل عمليات بيع للرضع أسبوعيا في تونس، وأن هذه الجرائم لا تشمل الأمهات العازبات فقط بل تشمل عائلات.
وأوضحت أن الظاهرة أصبحت تعتمد على عمليات الولادة في المصحات بنية بيع الرضع حديثي الولادة، موضحة أن الأسعار تختلف من وضعية إلى أخرى.
وسبق أن كشفت الإحصائيات المحلية عن تنامي ظاهرة بيع الرضع في تونس باعتماد شبكات التواصل الاجتماعي، ولا تشمل هذه الظاهرة الأمهات اللاتي يقمن ببيع أطفالهن فقط، بل الأمهات العازبات أيضا.
وحسب تقارير محلية، فقد تورطت بعض العائلات في هذه الجرائم حين جعلت من إنجاب الرضع ومن ثمة بيعهم مهنة لها.
وفي العام الماضي تم القبض على ثلاث نساء في محافظة جندوبة، شمال غرب تونس، تورطن في قضية التفريط في طفل، لتطفو على السطح مسألة بيع الرضع ودوافع الظاهرة وانتشارها وسبل معالجتها.
وانتقدت العبيدي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية “تقاعس جميع الهياكل الحكومية في التعاطي مع الجرائم المرتكبة في حق الأطفال”، حسب تقديرها.
وأوضحت أنه “خلال فترة الحجر الصحي سنة 2020، استغلت أعداد من العصابات تزايد إقبال الأطفال على استعمال تقنيات التواصل عن بعد لتنفيذ جرائمها السيبرانية، من خلال التغرير بالأطفال وحثهم على إرسال صورهم في وضعيات مخلة بالأخلاق، ومن ثمة تهديدهم وابتزازهم للحصول على مبالغ مالية هامة منهم”.
وأشارت إلى أن هذه الفئة من الأطفال تضطر إلى سرقة أموال ومجوهرات العائلة لإعطائها لهذه العصابات، مقابل ألا تفضح أمرهم وتقوم بنشر صورهم المخلة بالأخلاق على شبكات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن عددا كبيرا من هؤلاء الأطفال باتوا يعانون من اضطرابات نفسية من شدة الضغوطات التي يتعرضون إليها، وانتهت بهم إلى محاولة الانتحار أو الإقدام عليه.
ولفتت العبيدي إلى أنه رغم تسجيل تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر تراجعا في عدد الضحايا من مختلف الأصناف خلال سنة 2020، حيث تم إحصاء 1313 ضحية سنة 2019 مقابل 907 ضحايا سنة 2020، إلا أن ذلك لا يعني تراجع انتشار هذه الظاهرة في تونس.
واستنكرت ظروف عمل مندوبي حماية الطفولة والفرق الأمنية المختصة، حيث يفتقرون إلى أبسط الإمكانيات المادية مما يحد من فاعلية تدخلاتهم، مشددة على أن الطفولة مهددة بشكل خطير في تونس ولا بد من تكاتف الجهود لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة.
ورغم أن التشريعات التونسية ثرية بالقوانين الرامية إلى حماية حقوق الطفل ومكافحة جميع أنواع الاستغلال التي يتعرض لها، إلا أن الأرقام الرسمية تكشف ارتفاعا سنويا مستمرا في الاعتداءات على الأطفال بجميع أعمارهم ومستوياتهم التعليمية والاجتماعية.
وكشف التقرير الرسمي لسنة 2019 الصادر عن مندوبية حماية الطفولة في تونس (منظمة حكومية تابعة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن) أن عدد الإشعارات المتعلقة بالتبليغ عن حالات اعتداءات وتهديدات تمس الأطفال، بلغ أكثر من 17 ألفا و500 إشعار في مختلف محافظات الجمهورية التونسية، سجلت أغلبها في إطار الأسرة.
وبرأي خبراء فإن الوضع الاجتماعي الصعب هو الذي يدفع إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، حيث تنجب المرأة خارج إطار الزواج أو تنجب طفلا دون توفر القدرة على التكفل به، ما يدفع أشخاصا إلى استغلال هذه الظروف والمتاجرة بالرضع.
وأشار رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل معز الشريف في تصريحات لوسائل إعلامية إلى أن “هناك صعوبة في حصر حالات بيع الرضع في تونس، لأن هناك عدة حالات لا يتم كشفها من الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، باعتبار أنّ هناك شبه اتفاق بين الأم المنجبة والعائلة المتكفلة بالرضيع وتتم تبعا لذلك التغطية على الجريمة”.
وبين الشريف أن من أبرز أسباب تفشي الظاهرة “الإنجاب خارج إطار الزواج، حيث تكون المرأة في وضعية حرجة وتكتشف حملها بعد فوات الأوان على إمكانية الإجهاض، أو تواجه صدا من المؤسسات الصحية التي لا تمكّن الأمهات العازبات من الإجهاض، فتضطر المرأة إلى البحث عن حل للتخلص من رضيعها، وهذا يؤدي إلى الاتّجار بالأشخاص وإلى جريمة قتل الرضّع عند الإنجاب”.
وتؤكد الهيئة الوطنية للاتجار بالبشر أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الأطفال، بل تمتد إلى فئات أخرى، إذ رصدت الهيئة قرابة 1000 عملية اتجار بالبشر بحسب تقريرها الصادر سنة 2020.
ويعد الاتجار بالبشر من الظواهر التي باتت تهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع التونسي، وهو ما جعل المشرع التونسي يتحرك في سنة 2016 ليصادق على القانون المتعلق بمنع الاتجار بالبشر ومكافحته.
وإلى جانب قانون منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته وإحداث الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، عززت تونس مبادراتها في هذا الشأن بإرساء الهيئة استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الاتجار بالأشخاص.