تدوينة المحامي الرياضي علي عباس أثارت موجة واسعة من النقاش حول مستقبل الرياضة التونسية، وخاصة كرة القدم. عبر كلماته المباشرة، فتح عباس ملفًا شائكًا يتجاوز الرياضة، ليصل إلى بنية النظام الذي يحكم المشهد الرياضي في تونس، وطرح تساؤلات جوهرية حول العدالة، الشفافية، والسيادة الوطنية.
مقالات ذات صلة:
الصدمة تكشف عيوب انتخابات جامعة كرة القدم التونسية: تحليل لتدوينة الأستاذ أحمد التونسي
الجامعة التونسية لكرة القدم: عدم إيداع أي قائمة للترشح حتى الآن في انتخابات المكتب الجامعي
إلغاء شرط الشهادة الجامعية للترشح لمنصب رئيس أو نائب رئيس الجامعة
اللجنة السابقة: أداة نظام أم فاعل مستقل؟
وصف عباس لجنة الاستئناف السابقة بأنها "أسوأ لجنة عرفتها الرياضة التونسية"، واتهمها بـ"العبث بالحقوق"، "إسقاط الجمعيات"، و"إفساد مسار انتخابي". هذه الاتهامات تفتح المجال للتساؤل:
* هل كانت اللجنة مجرد أداة تنفيذية لنظام رياضي وسياسي أوسع يكرّس ممارسات الفساد والمحسوبية؟
* أم أنها، بحكم تكوينها وممارساتها، كانت فاعلًا مستقلًا يساهم في تعطيل مسار العدالة داخل المنظومة الرياضية؟
في كلا الحالتين، فإن تدوينة عباس تُسلط الضوء على مشكل مؤسسي أعمق: غياب الآليات الرقابية الفعالة التي تمنع مثل هذه التجاوزات وتحفظ العدالة داخل المؤسسات الرياضية.
هيئة التسوية: ولادة من رحم الفوضى؟
أشاد عباس بهيئة التسوية الحالية، واعتبرها نموذجًا نظيفًا أعاد الثقة إلى الرياضة التونسية. لكن نجاح هيئة التسوية يثير سؤالًا أكبر:
* هل كان نجاحها نتيجة ظروف استثنائية أم تعبيرًا عن رغبة حقيقية في إصلاح المنظومة؟
هيئة التسوية، كما وصفها عباس، أعادت ترتيب المشهد الرياضي ورفعت سقف التطلعات لما يجب أن تكون عليه الرياضة في تونس: شفافية، عدالة، ونزاهة. ومع ذلك، فإن استمرارها واستدامتها يعتمد على قدرتها على مواجهة تحديات "المنظومة القديمة" التي يبدو أنها لا تزال متغلغلة في المشهد الرياضي.
رئيس لجنة الاستئناف: استمرارية استراتيجية أم تجديد في الشكل؟
أحد أكثر النقاط إثارة في تدوينة عباس كان انتقاده لترشح رئيس لجنة الاستئناف السابقة لرئاسة الجامعة التونسية لكرة القدم. اعتبر عباس هذا الترشح استمرارية مباشرة لمنظومة سابقة قامت على الظلم والمحسوبية. وهنا يبرز التساؤل:
* هل يمثل هذا الترشح عودة "النظام القديم" في ثوب جديد؟
* أم أنه يعكس خللًا بنيويًا في النظام الانتخابي الذي يسمح بإعادة تدوير نفس الوجوه في مواقع القرار؟
عباس أثار نقطة هامة حول قائمة المرشحين، مشيدًا بوجود شخصيات نزيهة ضمن القائمة، لكنه عبّر عن استغرابه من انضمامهم إلى قائمة يقودها رئيس لجنة الاستئناف السابقة. هذا التناقض يثير تساؤلًا حول قدرة الأفراد النزيهين على إحداث تغيير فعلي من داخل منظومة قد تكون معطوبة أساسًا.
سيادة القرار الرياضي: تهديد من الداخل أم الخارج؟
دعا عباس سلطة الإشراف إلى التحقيق في مدى ارتباط القوائم المترشحة بلوبيات أفريقية، محذرًا من وجود "علاقات تبعية". هذه النقطة تفتح نقاشًا أعمق حول:
1. الدور الوطني للرياضة: هل يتم استخدام المؤسسات الرياضية كأداة لتحقيق أجندات خارجية؟
2. الاستقلالية المالية والإدارية: إلى أي مدى تعتمد الجامعة التونسية على مصادر خارجية، وكيف يؤثر ذلك على قراراتها؟
عباس وضع خطًا أحمر حول "سيادة القرار الرياضي الوطني"، معتبرًا أن أي تدخل خارجي يشكّل تهديدًا مباشرًا لمصداقية الرياضة التونسية.
العودة إلى المربع الأول: من المسؤول؟
واحدة من النقاط المركزية في تدوينة عباس هي تحذيره من العودة إلى "مربع المنظومة السابقة". هذا المربع، الذي شهد فسادًا وظلمًا ومحسوبية، يبدو وكأنه كابوس يلاحق الجماهير الرياضية. لكن من المسؤول عن هذه العودة؟
- النظام الرياضي نفسه: هل الإصلاحات التي شهدتها الرياضة التونسية في الفترة الماضية كانت مجرد تغييرات سطحية؟
- الجمهور الرياضي: إلى أي مدى يستطيع الجمهور ممارسة ضغط حقيقي من أجل تغيير المنظومة؟
العدالة في كرة القدم: حلم أم واقع؟
عباس ختم تدوينته بتساؤلات عن حق الجمهور التونسي في متابعة كرة قدم عادلة ونزيهة. هذه التساؤلات ليست مجرد عبارات بلاغية، بل تعكس تطلعات شعبية أوسع لإصلاح شامل في المشهد الرياضي. لكن السؤال الأهم:
* هل تُعتبر كرة القدم في تونس انعكاسًا لما يحدث في المجتمع ككل، حيث العدالة والنزاهة لا تزالان قيد الانتظار؟
بين الماضي والمستقبل
تدوينة علي عباس ليست مجرد نقد للجنة الاستئناف السابقة أو ترشح أحد رموزها، بل هي دعوة لإعادة التفكير في بنية الرياضة التونسية ككل. إذا كانت هيئة التسوية تمثل بارقة أمل، فإن ترشح رموز المنظومة السابقة يشكّل تهديدًا لهذا الأمل.
الجمهور الرياضي، السلطة، والإعلام جميعهم مدعوون للمشاركة في حوار وطني حول الرياضة، لأن مستقبل كرة القدم التونسية لا يمكن أن يكون رهينة لمصالح شخصية أو أجندات خارجية. إنها لحظة تاريخية تستدعي اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة.