في تطوّر غير مسبوق داخل المشهد الإعلامي الأمريكي، صعّدت صحيفة "نيويورك تايمز" مواجهتها مع وزارة الحرب الأمريكية، رافعةً دعوى قضائية تتّهم فيها البنتاغون بفرض قيود جديدة "تمسّ جوهر حرية الصحافة" وتشكل – وفق نص الدعوى – انتهاكًا صارخًا للتعديل الأول من الدستور.
الصحيفة كشفت أنّ التعليمات التي دخلت حيّز التنفيذ منذ أكتوبر الماضي، ألزمت الصحفيين المعتمدين لدى البنتاغون بالتوقيع على نموذج ضخم من 21 صفحة، يتضمّن قيودًا مشدّدة على تحركاتهم المهنية، وعلى طرق تعاملهم مع مصادرهم، وصولًا إلى الحدّ من قدرتهم على نقل المعلومات من داخل المؤسسة العسكرية.
ووفق "نيويورك تايمز"، فإن هذه الإجراءات "تفرغ العمل الصحفي من مضمونه"، معتبرة أن البنتاغون يحاول إحكام السيطرة على تدفّق المعلومات بحجة الأمن القومي.
احتجاجات متصاعدة داخل الوسط الإعلامي
وبالتزامن مع رفع الدعوى، شهدت أروقة البنتاغون موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات، حيث أكّدت الصحيفة أن عشرات الصحفيين سحبوا تراخيصهم وسلموها طوعًا، في خطوة ترمز إلى رفضهم المطلق للقيود الجديدة.
ردّة الفعل لم تقتصر على "نيويورك تايمز"، إذ انضمت إلى موجة الرفض مؤسسات إعلامية كبرى مثل:
ABC News، CBS News، CNN، Fox News، NBC News
وكلها عبّرت عن خشيتها من أن تتحول الإجراءات الأخيرة إلى سابقة خطيرة تهدد استقلالية التغطية الإعلامية في الولايات المتحدة.
حجّة البنتاغون: الأمن القومي قبل كل شيء
وزارة الحرب الأمريكية ردّت بأن الدخول إلى المنشآت العسكرية "امتياز وليس حقًا"، وأن من واجبها تنظيم الوصول بما يمنع أي تسريب يضر بالأمن القومي.
لكن هذا التبرير لم يُقنع المؤسسات الإعلامية، التي ترى أنّ الإجراءات الجديدة تتجاوز حدود التنظيم وتصل إلى حدّ تكميم الأفواه.
سابقة أسوشييتد برس تزيد المشهد تعقيدًا
وتأتي هذه القضية بعد أشهر قليلة من لجوء وكالة "أسوشييتد برس" إلى القضاء في فيفري الماضي، إثر منع صحفييها من حضور بعض المؤتمرات الصحفية بالبيت الأبيض، وهو ما اعتبرته الوكالة سياسة ممنهجة لتضييق الخناق على الصحافة.
الولايات المتحدة التي لطالما قدّمت نفسها كـ"حامية لحرية التعبير"، تجد نفسها اليوم أمام معركة مفتوحة بين الإعلام والمؤسسة العسكرية.
معركة قد تعيد رسم حدود علاقة الصحافة بالسلطة، وتطرح أسئلة جدية حول مستقبل حرية الصحافة في بلد يُفترض أنه مهدها.



