اختر لغتك

بين «Bonjour» و«صباح الخير»… صراع اللغات والهوية في تونس

بين «Bonjour» و«صباح الخير»… صراع اللغات والهوية في تونس

بين «Bonjour» و«صباح الخير»… صراع اللغات والهوية في تونس

لم تعد المسألة اللغوية في تونس مجرد نقاش أكاديمي أو سجال نخبة. في الحياة اليومية، داخل البيوت والمدارس، وأمام شاشات التلفزيون، صارت اللغة عنوانًا لانتماء اجتماعي، ورمزًا للتمايز الطبقي، ومرآة لهوية تبحث عن توازن بين الانفتاح والخصوصية.

اليوم، حين نسمع أطفالًا يحيّون بعضهم بعبارة: «Bonjour, ça va, merci» بدل «صباح الخير»، نفهم أن الأمر أعمق من مجرد اختيار لغوي: إنّه سؤال عن أي هوية نريد أن نورّثها للأجيال القادمة.

🔴 الفرنسية: لغة المستعمر ورمز الطبقية

الفرنسية ليست مجرد لغة أجنبية، بل لغة مستعمر عتيق في تاريخ تونس، حمل معها رمزية السلطة والهيمنة، قبل أن تتحوّل بعد الاستقلال إلى أداة تعليمية ووسيلة تواصل اجتماعي. في المخيال الجمعي التونسي، ارتبطت الفرنسية بالطبقات الميسورة، وبالوجاهة الاجتماعية، بينما العربية والدارجة بقيتا لغة "البيت والشارع".

◼️ أم لطفلين يدرسان في مدرسة خاصة: "ابني يصرّ أن يتحدث بالفرنسية حتى في البيت، ويقول إن العربية لغة قديمة… كأنها لم تعد تكفيه ليشعر بالتميز."

ويعلق أستاذ علم اجتماع: "الفرنسية، كلغة المستعمر، لا تزال تحمل رمزية القوة والمكانة. من يتحدث بها يضع نفسه تلقائيًا في خانة الوجاهة، بينما من يكتفي بالعربية أو الدارجة يشعر بالهامشية."

🔴 اللغة والمدرسة: مناهج تصنع ألسنة مختلفة

النظام التعليمي يلعب دورًا محوريًا. ففي المدارس الخاصة، يبدأ تدريس الفرنسية منذ الحضانة، بينما تؤجَّل العربية إلى مراحل لاحقة، ما يجعل الفرنسية لغة اللعب والتواصل اليومي، والعربية لغة "الدرس والواجب".

إحصائية صادرة عن الجمعية التونسية لعلوم التربية (2024) تكشف أنّ:

- 65% من التلاميذ في المدارس الخاصة يفضلون الحديث بالفرنسية مع زملائهم.

- مقابل 72% من التلاميذ في الجهات الداخلية يستعملون الدارجة كلغة أولى، ويرون الفرنسية مجرد أداة مدرسية.

هذا التفاوت يولّد ازدواجية لغوية تكرّس الفوارق بين العاصمة والداخل، وبين العمومي والخاص.

🔴 اللغة والإعلام: شاشة فرنكوفونية في بيت عربي

الإعلام زاد الطين بلّة. فالقنوات الخاصة تعتمد الفرنسية في الإعلانات والبرامج الترفيهية، وكأنها لغة "الموضة" والحداثة. بينما يكتفي الإعلام العمومي بدور محدود في حماية العربية.

◼️ أستاذة جامعية في علوم الاتصال: "الإشهار في تونس يعزز الفرنسية كلغة الرقي الاجتماعي، مستعيدةً رمزية المستعمر، ويعكس ذلك مباشرة على ألسنة الأطفال."

🔴 اللغة والهوية: اغتراب ثقافي أم انفتاح صحي؟

التعدد اللغوي في ذاته ثراء. لكن الخطر يظهر حين يتحول إلى اغتراب ثقافي، أي عندما يشعر الطفل أن هويته لا تُبنى إلا عبر لغة الآخر.

◼️ ولية لتلميذين في مدرسة ابتدائية: "طلبت من بنتي تقول صباح الخير لمعلمتها، ردّت: لا ماما، يلزم نقول Bonjour باش نكون شيك… حسّيت روحي نسمع غريبة في بلادي."

من زاوية سوسيولوجية، يؤكد المختصون أن الهوية المتوازنة هي التي تجمع بين الانفتاح على لغات العالم دون إنكار للجذور.

🔴 أي سياسة لغوية نريد؟

التجارب الدولية تقدّم نماذج مختلفة:

- المغرب: أبقى على الثنائية العربية-الفرنسية مع انفتاح على الإنجليزية.

- الجزائر: أعادت الاعتبار للأمازيغية بجانب العربية.

- رواندا: تخلّت عن الفرنسية لصالح الإنجليزية لتوسيع آفاقها الاقتصادية.

في تونس، المطلوب ليس القطع مع الفرنسية ولا الانغلاق على العربية، بل صياغة سياسة لغوية واضحة تقوم على:

- اعتبار العربية لغة هوية وإبداع لا مجرد مادة مدرسية.

- تدريس الفرنسية والإنجليزية كأدوات علمية وانفتاح على العالم.

- توحيد الخيارات التربوية بين العمومي والخاص لتفادي الفوارق الطبقية.

🟢 هوية متصالحة مع ذاتها

بين "Bonjour" و"صباح الخير"، لا يكمن الخطر في الكلمات نفسها، بل في المعاني التي نحملها لها. إنّ التحدي الحقيقي هو أن نعلّم أبناءنا أنّ القيمة ليست في اللغة بقدر ما هي في الفكر والمعرفة والأصالة.

حينها فقط، يمكن أن يتحدث أطفالنا كل لغات العالم دون أن ينسلخوا من أنفسهم، ودون أن يشعروا بالاغتراب داخل وطنهم.

آخر الأخبار

"هذيان"… حين يلتقي العبث العالمي بالوجع التونسي

"هذيان"… حين يلتقي العبث العالمي بالوجع التونسي

بين «Bonjour» و«صباح الخير»… صراع اللغات والهوية في تونس

بين «Bonjour» و«صباح الخير»… صراع اللغات والهوية في تونس

"صاحبك راجل 2".. الكوميديا التونسية تعود بقوة إلى الشاشة الكبيرة

"صاحبك راجل 2".. الكوميديا التونسية تعود بقوة إلى الشاشة الكبيرة

كرة السلة: النادي الإفريقي بين امتحان السوبر ورهان النظام الجديد 

كرة السلة: النادي الإفريقي بين امتحان السوبر ورهان النظام الجديد 

من المدارج إلى الأوركسترا: سمفونية النادي الإفريقي تذهل الجماهير 

من المدارج إلى الأوركسترا: سمفونية النادي الإفريقي تذهل الجماهير 

Please publish modules in offcanvas position.