اختر لغتك

كرامة المسنين حقوق وحياة في تونس 

كرامة المسنين حقوق وحياة في تونس 

كرامة المسنين حقوق وحياة في تونس 

في تونس والعالم يمثل عيد المسنين مناسبة سنوية تحمل في طياتها معانٍ عميقة من الاحترام والتقدير لكبار السن الذين شكلت خبراتهم وحكمتهم على مر العقود دعائم أساسية في بناء المجتمعات والحفاظ على تراثها وهويتها، ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة ليس فقط للتكريم الرمزي بل أيضا لتسليط الضوء على الواقع الاجتماعي والقانوني والصحي الذي يعيشه كبار السن وهو واقع يفرض ضرورة التفكير الجاد في السياسات والإجراءات التي تكفل لهم حياة كريمة ومستقرة، كما يؤكد على أهمية إشراك المجتمع كله في حماية حقوقهم وصون كرامتهم.

تشير الإحصائيات الحديثة في تونس إلى أن عدد كبار السن الذين تجاوزوا سن الستين وصل في عام 2024 إلى حوالي مليوني شخص أي ما يمثل نسبة 16.9% من إجمالي السكان مقارنة بـ11.6% في عام 2014 وهو ما يعكس ارتفاع نسبة الشيخوخة السكانية بشكل واضح، ويتوزع كبار السن بشكل متفاوت بين الجهات حيث يتركز العدد الأكبر في الإقليم الثاني الذي يشمل ولايات تونس، أريانة، بن عروس، زغوان، منوبة، ونابل بنسبة تصل إلى 34.4%، بينما يشكل الإقليم الثالث الذي يضم ولايات سليانة، سوسة، القصرين، القيروان، المنستير، والمهدية حوالي 23.48% من هذه الفئة ما يبرز الحاجة إلى توزيع عادل للموارد والخدمات بما يتناسب مع التوزيع الجغرافي لهم.

وعلى الرغم من الاحترام الذي يحظى به كبار السن على المستوى الرمزي والاجتماعي، إلا أنهم يواجهون تحديات متعددة يمكن تلخيص أبرزها في العزلة الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها عدد كبير منهم،نتيجة تراجع دورهم في الحياة المجتمعية وهو ما يؤدي إلى شعورهم بالوحدة والاكتئاب، ويضاف إلى ذلك ما أظهرته الدراسات المحلية والدولية من حالات عنف وإساءة داخل الأسرة أو المجتمع ما يستدعي تدخل الجهات المعنية لتوفير حماية قانونية واجتماعية فعالة، كما يواجه كبار السن مشكلة نقص الرعاية الصحية المتخصصة إذ لا تزال أعداد الأطباء والمختصين في طب الشيخوخة محدودة مما يقلل من جودة الخدمات الصحية المقدمة، وعلاوة على ذلك تشكل محدودية دور الرعاية سواء العمومية أو الخاصة تحديا إضافيا إذ لا تكفي هذه الدور لاستيعاب العدد المتزايد من كبار السن، كما ترتبط بإشكاليات اجتماعية تتعلق بالوصمة المرتبطة بإيداع المسنين فيها.

 

في هذا السياق، تعمل تونس على توفير إطار قانوني يضمن حماية حقوق كبار السن ويعد القانون عدد 114 لسنة 1994 المؤرخ في 31 أكتوبر 1994 أحد أبرز التشريعات التي تتعلق بالرعاية الاجتماعية للمسنين في حالات الاعتماد بينما توفر القوانين الخاصة بحماية المرأة من العنف حماية إضافية لكبار السن من النساء داخل الأسرة، كما يضمن القانون التونسي الحق في التغطية الصحية المجانية لكبار السن ذوي الدخل المحدود وهو ما يسهم في توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية الضرورية لهم، وعلى الصعيد الدولي تأتي مبادئ الأمم المتحدة للمسنين لتؤكد استقلاليتهم وحقهم في المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والحصول على الرعاية الصحية، كما تهدف بعض الاتفاقيات الإقليمية مثل اتفاقية حماية حقوق كبار السن في الأمريكتين إلى ضمان حقوق الملكية والسكن والحماية من التمييز، بينما تعمل منظمات حقوق الإنسان على الدعوة لإنشاء اتفاقية دولية ملزمة لحماية حقوق كبار السن بما يعكس الاعتراف العالمي بالحاجة إلى حماية هذه الفئة المهمة من المجتمع.

وللتصدي للتحديات السابقة، يمكن اتباع مجموعة من الحلول المتكاملة تبدأ بتعزيز الوعي المجتمعي من خلال حملات مستمرة تهدف إلى تغيير النظرة النمطية تجاه كبار السن وتشجيع المجتمع على احترامهم وتقدير خبراتهم، ويجب في نفس الوقت العمل على توسيع شبكة دور الرعاية وزيادة أعدادها وتحسين جودة الخدمات فيها لتلبية احتياجات المسنين بشكل فعال مع مراعاة توزيع هذه الخدمات بشكل متوازن بين الجهات، كما يعد تطوير طب الشيخوخة وإدراجه في المناهج الجامعية وتوفير التدريب المستمر للأطباء والممارسين الصحيين أحد الحلول الحيوية لضمان رعاية صحية متخصصة وكفؤة، ومن ناحية أخرى يتعين تعزيز التشريعات المحلية وتفعيلها بما يشمل إنشاء مندوبيات جهوية لمتابعة أوضاع كبار السن ومراقبة أي انتهاكات محتملة فضلا عن دعم المبادرات الدولية التي تسعى لإنشاء اتفاقية دولية شاملة تحمي حقوق كبار السن وتضمن حمايتهم على المستوى العالمي.

ختاما، عيد المسنين ليس مجرد مناسبة للاحتفال الرمزي لكنه يمثل فرصة حقيقية لإعادة تقييم الواقع الذي يعيشه كبار السن على المستويات الاجتماعية والقانونية والصحية ويؤكد على أهمية دور الدولة والمجتمع المدني في خلق بيئة متكاملة تحترم حقوقهم وتضمن لهم حياة كريمة وآمنة وتحافظ على مكانتهم كمصدر حكمة وخبرة للأجيال الجديدة، ومن خلال تضافر الجهود المحلية والدولية يمكن أن يتحول هذا اليوم من احتفال رمزي إلى منصة فعلية لتعزيز حقوق كبار السن وتحقيق العدالة الاجتماعية لهم وضمان مشاركتهم الفاعلة في المجتمع الذي ساهموا في بنائه وصياغة مساره عبر العقود.

آخر الأخبار

النادي الإفريقي يفتح باب الشراكة العالمية: بحث عن مُعدّ تجهيزات بحجم الأسطورة

النادي الإفريقي يفتح باب الشراكة العالمية: بحث عن مُعدّ تجهيزات بحجم الأسطورة

سباق "فيكسيت بهارات 2025" يرسّخ الديبلوماسية الرياضية بين الهند وتونس

سباق "فيكسيت بهارات 2025" يرسّخ الديبلوماسية الرياضية بين الهند وتونس

كرامة المسنين حقوق وحياة في تونس 

كرامة المسنين حقوق وحياة في تونس 

الذاكرة الوطنية التى لا تمحى والصمود أمام العدوان في ذكرى الأربعين  لمجزرة حمام الشط

الذاكرة الوطنية التى لا تمحى والصمود أمام العدوان في ذكرى الأربعين  لمجزرة حمام الشط

"أيام في بالي" لمحمد الماطري صميدة: رحلة تونسية ساحرة في قلب إندونيسيا

"أيام في بالي" لمحمد الماطري صميدة: رحلة تونسية ساحرة في قلب إندونيسيا

Please publish modules in offcanvas position.