في سابقة لا يمكن قراءتها إلا كفعل إقصاء متعمّد، عقدت الخطوط التونسية جلستها العامة يوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 بحضور المساهمين في رأس مال الشركة بمقرها الاجتماعي، فيما مُنع بعض الصحفيين من الدخول بقرار صادر عن المكلّفة بالإعلام.
وهو قرار لا يخص الشكل بقدر ما يضرب في العمق جوهر العلاقة بين مؤسسة عمومية والرأي العام.
فالحدث ليس اجتماعًا داخليًا مغلقًا، بل جلسة عامة بطبيعتها، يفترض أن تكون فضاءً للمساءلة العلنية، لا غرفة محصّنة ضد الأسئلة.
حين يغلق الجسر بدل أن يفتح:
أن يصدر قرار المنع عن المكلفة بالإعلام تحديدًا، فذلك ليس تفصيلاً عابرًا، بل مفارقة صادمة ، فالجهة التي أُنيطت بها مهمة تسهيل النفاذ إلى المعلومة، اختارت أن تتحول إلى حاجز صدّ، في قلب فعل اتصالي مقلوب، يُدار فيه الحدث بدل أن يُنقل.
هنا يصبح السؤال مشروعًا: هل تحوّل الاتصال المؤسساتي من وظيفة تواصل إلى أداة تحكّم؟وهل بات دور “مصلحة الإعلام” تصفية الحضور بدل تنظيمه؟
الخطوط التونسية ليست شركة مغلقة:
الخطوط التونسية ليست ملكًا خاصًا لمساهمين داخل قاعة مغلقة، بل مؤسسة عمومية أو ذات مساهمة عمومية مهيمنة، تُدار بأموال عمومية، وتُحاسَب أمام المواطن ، وبالتالي فإن إقصاء الصحافة من جلسة عامة هو إقصاء مباشر للمواطن نفسه، ومسّ صريح بحقّه في المعرفة.
فالمعلومة هنا ليست امتيازًا يُمنح، بل حقًّا يُمارَس.
خرق قانوني لا لبس فيه:
من الزاوية القانونية، يطرح هذا المنع إشكاليات جدّية تتعلّق بإحترام الدستور التونسي، وبأحكام القانون عدد 22 لسنة 2016 المتعلّق بالحق في النفاذ إلى المعلومة، والذي يكرّس حق الإطلاع على المعطيات المرتبطة بتسيير الشأن العام، خاصة ما يتصل بالحوكمة والتصرف في المال العمومي.
ولا يمكن تبرير هذا الإجراء بأي ذريعة تنظيمية، ما دام الأمر لا يتعلّق بسرّ مهني، ولا بأمن قومي، ولا بوثائق محجوبة قانونًا وعليه، فإن المنع يُعدّ تضييقًا غير مشروع على حرية العمل الصحفي، ومخالفة صريحة لمبدأ الشفافية.
عقلية دفاعية تفضح أكثر مما تحمي:
الأخطر من قرار المنع ذاته، هو ما يكشفه من ذهنية مرتبكة، تعتبر السؤال تهديدًا، والكاميرا عبئًا، والشفافية خطرًا يجب تطويقه وكأن المؤسسة تقول دون تصريح: لسنا مستعدين للنقاش العلني.
غير أن التجارب أثبتت أن إقصاء الصحافة لا يحمي المؤسسات من النقد بل يوسّعه، ولا يصون صورتها، بل يعرّي هشاشة خطابها الإتصالي.
الشفافية التزام لا خيار:
إن ما حدث لا يمكن اختزاله في حادث عرضي أو سوء تقدير ظرفي، بل هو سابقة تستوجب التوضيح والمساءلة إما عبر بلاغ رسمي يبيّن الأسس القانونية لهذا القرار، أو عبر تمكين الصحافة لاحقًا من النفاذ إلى المعطيات والوثائق المرتبطة بأشغال الجلسة العامة، احترامًا للقانون ولمبدأ دولة المؤسسات.
فالشفافية ليست شعارًا للاستهلاك، بل التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا، وقد تقلع الطائرات دون صحافة لكن الثقة لا تقلع دون شفافية.
نادرة الفرشيشي



