اختر لغتك

الذكاء الاصطناعي في خدمة الجمعيات 

الذكاء الاصطناعي في خدمة الجمعيات 

في عصر تتسارع فيه التحولات التكنولوجية وتصبح فيه الأنظمة الذكية جزءا لا يتجزأ من مختلف المجالات أصبح الذكاء الاصطناعي عاملا محوريا في إعادة تشكيل المؤسسات والمجتمع المدني على حد سواء، ونظم مركز إفادة للجمعيات ندوة علمية تناولت موضوع الذكاء الاصطناعي في خدمة الجمعيات_ الفرص والتحديات وذلك بهدف استكشاف كيف يمكن توظيف هذه التكنولوجيا لتعزيز العمل الجمعياتي وتحقيق أثر مجتمعي مع تحليل الأبعاد القانونية والأخلاقية المرتبطة بها ومناقشة إدماجها ضمن المناهج التعليمية الوطنية، ومن هذا المنطلق يتضح أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية بل يمثل منظومة متكاملة تجمع بين الأبعاد الفلسفية والقانونية والاجتماعية ويضع الإنسان أمام تحديات تتعلق بالهوية، المسؤولية والحقوق الرقمية، وفي هذا الإطار، يصبح التحدي الرئيسي هو كيفية توجيه هذه التكنولوجيا لخدمة المجتمع بطريقة تحفظ الحقوق وتضمن المساءلة، مع وضع أطر قانونية واضحة لتقنين استخدامها وتنظيم عملها.

بالانتقال إلى البعد العلمي، يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه القدرة على محاكاة العمليات العقلية البشرية من تعلم وتحليل واتخاذ قرارات وهو قادر على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة تتجاوز قدرة الإنسان، ومع هذا التطور تظهر تساؤلات قانونية حول تحديد المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن استخدامه سواء أكانت أضرارا مادية، معنوية أو حقوقية، وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن أكثر من 378 مليون شخص حول العالم يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي بنشاط في 2025 وأن نحو 78% من الشركات العالمية اعتمدت الذكاء الاصطناعي في إحدى وظائفها على الأقل بينما تقدر السوق العالمية للذكاء الاصطناعي بعوائد تبلغ نحو 757.6 مليار دولار ومن المتوقع أن تصل إلى 3.68 تريليون دولار بحلول 2034، هذا النمو الهائل بدوره يفرض على تونس مثلها مثل غيرها من الدول  ضرورة بلورة قانون إطار وطني للذكاء الاصطناعي يُحدد مسؤولية المطوّر والمستخدم ويضع آليات واضحة للرقابة والتقييم للأداء داخل المؤسسات الحكومية والخاصة بما فيها الجمعيات.

 

وبالانتقال من الجانب القانوني إلى البُعد الأخلاقي، يظهر أن التوظيف الأخلاقي للذكاء الاصطناعي يعتبر عنصرا أساسيا لحماية الأفراد والمجتمع من الانتهاكات الرقمية أو التحيّزات الخوارزمية، فبينما يرى 78% من قادة الأعمال أن الأخلاق والاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي عنصر مهم في استراتيجيتهم التقنيةفإن 55% فقط من المؤسسات لديها إطار حوكمة فعلي، إضافة إلى ذلك تشير تقارير إلى أن نحو 70% من المؤسسات ترى أن القلق تجاه الخصوصية يمثل حاجزا لاعتماد الذكاء الاصطناعي بالكامل، ومن هذا المنطلق يصبح من الأهمية بمكان سن تشريع تونسي شامل يضمن شفافية الخوارزميات، الحياد في اتخاذ القرار ووضع معايير أخلاقية واضحة مع إنشاء هيئة وطنية مستقلة للإشراف على استخدام الذكاء الاصطناعي بما يعزز الثقة في هذه التكنولوجيا ويتيح تبنيها بشكل مستدام داخل الجمعيات والقطاع المدني.

ومن هنا يرتبط البعد التطبيقي للذكاء الاصطناعي بتحسين إدارة الجمعيات واتخاذ القرار، إذ يمكن لهذه التقنية تحليل البيانات المكانية، تقييم احتياجات المجتمع وتوجيه الموارد بكفاءة أكبر مما يعزز الشفافية والفعالية في العمل المدني، وقد أظهرت التجارب المحلية والدولية أن الجمعيات التي اعتمدت التحول الرقمي باستخدام الذكاء الاصطناعي قد حسّنت أداء مشاريعها بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالمنظمات التقليدية، وعليه فإن إدراج بنود تنظيمية جديدة في التشريعات الجمعياتية التونسية أصبح ضرورة لتسهيل استخدام الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على حماية البيانات الشخصية وحقوق المستفيدين إضافة إلى وضع معايير لمراقبة أداء الأنظمة الذكية، ومن خلال هذا الربط بين التقنية والتنظيم القانوني يتضح أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة مساعدة بل عامل تمكين أساسي لجعل العمل المدني أكثر فاعلية واستدامة.

وفي سياق متصل، لا يمكن إغفال أن الذكاء الاصطناعي مرتبط ارتباطا وثيقا بقضايا الأمن السيبراني إذ تزداد التهديدات التي تواجه الجمعيات بسبب الهجمات الرقمية المعقدة بما في ذلك هجمات التزييف العميق والاختراقات التي تستهدف المعطيات الحساسة، وحسب أحدث الإحصاءات فإن حجم الخسائر الناتجة عن الجرائم السيبرانية من المتوقع أن يصل إلى 10.5 تريليونات دولار في عام 2025 ومتوسط تكلفة خرق البيانات بلغ نحو 4.44 مليون دولار، ومن هذا المنطلق يفرض هذا الأفق المثقل بالمخاطر على تونس تحديث القوانين المتعلقة بأمن المعلومات لتشمل تدابير الحماية من المخاطر الرقمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مع إدراج برامج تعليمية وتدريبية متخصصة في الأمن الرقمي والذكاء الاصطناعي الآمن داخل الجمعيات والمدارس والجامعات لضمان بناء قدرات وطنية قادرة على مواجهة التحديات الحديثة وبالتالي الربط بين القانون، التكنولوجيا والأمن الرقمي يصبح أمرا حتميا لضمان الفاعلية والاستدامة.

أما من ناحية التأثير الاجتماعي والتربوي، فقد أظهرت التجارب العملية أن إدماج الذكاء الاصطناعي في العمل الجمعياتي يؤدي إلى أثر مجتمعي ملموس من خلال تحسين التخطيط، تعزيز قدرة الجمعيات على تحليل البيانات وتوجيه المبادرات الاجتماعية بشكل أكثر كفاءة، وفي سياق التعليم تشير بيانات إلى أن 79% من طلاب الجامعات ناقشوا مع أساتذتهم استخدام وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي ضمن المنهج التعليمي فيما استقبل سوق التعليم الإلكتروني الذكي تمويلاً بلغ نحو 6 مليارات دولار في 2024 ومن المتوقع أن يؤدي دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم إلى زيادة فعالية التعلم بنسبة تصل إلى 40%، وعليه فإن إدراجه رسميا في المناهج التعليمية على مختلف المستويات مع التركيز على تكوين التلاميذ والطلاب على الجوانب الأخلاقية والقانونية للتكنولوجيا الرقمية يصبح ضرورة استراتيجية لضمان جيل واعٍ وقادر على مواجهة تحديات المستقبل الرقمي.

وفي ضوء كل هذه المعطيات، يصبح من الواضح أن المستقبل الرقمي لتونس يتطلب إطارا قانونيا شاملا للذكاء الاصطناعي، هيئة إشراف وطنية مستقلة وإدماجا تعليميا مدروسا يضمن الاستخدام المسؤول للتقنية، فهذا النهج لا يعزز فقط فعالية الجمعيات وحماية الحقوق بل يدفع المجتمع نحو مستقبل رقمي متوازن يضع الإنسان في صميم التطور التكنولوجي ويضمن أن يكون الابتكار أداة للخير العام لا أداة للمخاطر أو الانتهاكات، فالتحدي الحقيقي يكمن في قدرتنا على توجيه التكنولوجيا بما يخدم الإنسان ويصون قيمه ويؤسس لمجتمع متوازن بين العلم، القانون والأخلاقيات الرقمية ما يجعل الربط بين القانون والتقنية والتعليم ضرورة استراتيجية متكاملة.

آخر الأخبار

عنف صادم أمام معهد بسيدي حسين: النيابة تحتفظ بأربع فتيات بعد اعتداء على زميلة

عنف صادم أمام معهد بسيدي حسين: النيابة تحتفظ بأربع فتيات بعد اعتداء على زميلة

فوزي البنزرتي يفجّرها بعد الدربي: “ما يحصل للإفريقي لم يعد يُحتمل!”

فوزي البنزرتي يفجّرها بعد الدربي: “ما يحصل للإفريقي لم يعد يُحتمل!”

كارثة بيئية في قابس: غازات المجمع الكيميائي تُدخل تلميذا في غيبوبة جزئية وتسبب شللاً بالأطراف

كارثة بيئية في قابس: غازات المجمع الكيميائي تُدخل تلميذا في غيبوبة جزئية وتسبب شللاً بالأطراف

جميلة بولكباش تكتب التاريخ وتهدي تونس أولى ذهبياتها في ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض!

جميلة بولكباش تكتب التاريخ وتهدي تونس أولى ذهبياتها في ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض!

من كراء السيارات إلى حراثة الأرض... مفاجأة غريبة في الناظور!

من كراء السيارات إلى حراثة الأرض... مفاجأة غريبة في الناظور!

Please publish modules in offcanvas position.