اختر لغتك

العنف ضد النساء في تونس أزمة متجذرة وحراك وطني يتجدد في حملة 16 يوما

العنف ضد النساء في تونس أزمة متجذرة وحراك وطني يتجدد في حملة 16 يوما

بينما يحيي العالم اليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ النساء الموافق لـ25 نوفمبر تعود تونس لتسلط الضوء على واحدة من أعقد المشكلات الاجتماعية وأكثرها استعجالا وذلك في إطار حملة “16 يوما من النشاط ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي” الممتدّة إلى غاية 10 ديسمبر، يوم حقوق الإنسان، ورغم ما تحقق من مكاسب تشريعية فإن الأرقام والوقائع تكشف عن واقع مرير يتطلب مراجعة شاملة لآليات الوقاية والحماية والمساءلة.

وتتنوع أشكال العنف ضد النساء في تونس بين الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي والرقمي في انعكاس مباشر لموروث اجتماعي وثقافي عميق، ويعد العنف النفسي الأكثر انتشارا إذ يمس نسبة كبيرة من النساء من خلال التهديدات، الإهانات، السيطرة على السلوك والعزل الاجتماعي وهو ما يخلف آثارا نفسية طويلة المدى كثيرا ما تبقى صامتة، أمّا العنف الجسدي فيحتل بدوره نصيبا كبيرا من القضايا المسجلة في حين يتخذ العنف الجنسي شكلا أكثر تعقيدا بفعل الوصمة الاجتماعية التي تمنع كثيرات من التبليغ، كما يبرز العنف الاقتصادي كحاجز فعلي أمام استقلالية النساء سواء عبر الحرمان من الموارد أو ابتزازهن ماديا، ومع التحول الرقمي برز العنف الإلكتروني كجبهة جديدة للانتهاكات من الابتزاز بنشر الصور إلى التحرش عبر المنصات الاجتماعية.

هذا وتدق التقارير الوطنية والدولية  ناقوس الخطر إذ سجلت منظمات حقوقية عددا متزايدا من جرائم قتل النساء (النسائيات) بينما أكد المعهد الوطني للإحصاء تعرض أغلبية النساء لشكل من أشكال العنف خلال حياتهن، كما تعالج الوحدات الأمنية المختصة عشرات آلاف الملفات سنويا ما يعكس حجم الظاهرة وتشعبها، وفي السياق ذاته تظهر بيانات دولية أن العنف ضد النساء ليس استثناء تونسيا بل جزءا من أزمة عالمية تتفاقم خاصة في صفوف الفتيات والشابات.

ورغم سوداوية المشهد، فإن تونس حققت تقدما تشريعيا لافتا مع إصدار القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 الذي يعد من أكثر القوانين تقدمية في المنطقة، فقد أقر عقوبات مشددة وآليات حماية فورية كأوامر الإبعاد إلى جانب تجريم العنف الاقتصادي والتحرش في الفضاء العام، كما عززت الدولة التزاماتها الدولية عبر المصادقة على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو) ورفع التحفظات عنها، ولكن الإشكال يكمن في فجوة التنفيذ إذ تشير تقارير حقوقية إلى نقص التكوين لدى بعض الأسلاك الأمنية والقضائية إضافة إلى بطء الإجراءات القضائية وصعوبة الوصول إلى العدالة للمناطق الريفية والطبقات الهشة.

في هذا السياق، تمثل حملة “16 يوما” مساحة حيوية لإعادة وضع القضية في صدارة الاهتمام العام خصوصا هذا العام مع التركيز على “العنف الرقمي ضدّ النساء”، وتشارك الدولة والمجتمع المدني في تنظيم حملات توعوية، ندوات، ورشات عمل، حملات تواصل اجتماعي ومسيرات رمزية تحت شعارات مختلفة هدفها تفكيك الصمت المجتمعي وتشجيع النساء على التبليغ، كما تلعب الجمعيات دورا محوريا في مرافقة الضحايا قانونيا ونفسيا فيما تعمل الوزارات المعنية على تعزيز الحماية داخل المؤسسات التربوية والمجتمعية.

ورغم أهمية هذه المبادرات تبقى التحديات قائمة خاصة منها ضعف التمويل المخصص للمراكز الإيوائية، نقص الإحاطة النفسية المتخصصة، استمرار الصور النمطية التي تبرر العنف بالإضافة إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تزيد هشاشة الأسر وتضاعف المخاطر، ولتجاوز هذه العقبات تبدو الحاجة ملحة إلى إصلاحات عملية تشمل تكثيف التكوين للأمن والقضاء، إنشاء دوائر قضائية متخصصة في العنف القائم على النوع الاجتماعي، تطوير تشريعات خاصة بالعنف الرقمي وتوفير تمويل قار للمؤسسات الميدانية، كما يعتبر تمكين النساء اقتصاديا أحد أهم مفاتيح الوقاية إذ يساهم في تقليص التبعية ورفع القدرة على طلب الحماية.

في النهاية، يظل القضاء على العنف ضدّ النساء مسؤولية جماعية تتطلب إرادة سياسية قوية، مؤسسات فاعلة، مجتمعا مدنيا يقظا وإعلاما يساهم في تغيير العقليات عوض تكريس الوصم، فالعنف ليس قدرا ومقاومته ليست خيارا ثانويا بل شرطا أساسيا لبناء مجتمع يحترم كرامة نصفه ويضمن العدل والأمان للجميع، وحملة “16 يوما” قد تمتد لأسبوعين فقط لكنها تأكيد سنوي بأن النضال من أجل حقوق النساء يجب أن يستمر 365 يوما في السنة.

آخر الأخبار

العنف ضد النساء في تونس أزمة متجذرة وحراك وطني يتجدد في حملة 16 يوما

العنف ضد النساء في تونس أزمة متجذرة وحراك وطني يتجدد في حملة 16 يوما

قضية هنشير الشعّال: قرار قضائي يقلب الموازين ويُفرج عن 9 موقوفين بينهم وزير فلاحـة سابق

قضية هنشير الشعّال: قرار قضائي يقلب الموازين ويُفرج عن 9 موقوفين بينهم وزير فلاحـة سابق

اشتباكات وعنف في محيط المدارس بسوسة: التلاميذ بين الحجارة والخطر!

اشتباكات وعنف في محيط المدارس بسوسة: التلاميذ بين الحجارة والخطر!

العاصمة تتوهج بالفن المعاصر: 'Je à deux' منصة تونسية بين المحلية والعالمية

العاصمة تتوهج بالفن المعاصر: 'Je à deux' منصة تونسية بين المحلية والعالمية

لحظة الإفراج عن سنية الدهماني: قرار وزيرة العدل يشعل جدلاً واسعًا بين القانونيين والجمهور

لحظة الإفراج عن سنية الدهماني: قرار وزيرة العدل يشعل جدلاً واسعًا بين القانونيين والجمهور

Please publish modules in offcanvas position.