اختر لغتك

نظام العامل لحسابه الخاص (المبادر الذاتي) في تونس نحو بناء استراتيجية متكاملة لتعزيز المبادرة الفردية وإدماج الاقتصاد غير المهيكل

نظام العامل لحسابه الخاص (المبادر الذاتي) في تونس نحو بناء استراتيجية متكاملة لتعزيز المبادرة الفردية وإدماج الاقتصاد غير المهيكل

في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تشهدها تونس، وبالنظر إلى تزايد الحاجة إلى حلول مبتكرة لمواجهة البطالة ودعم روح المبادرة الفردية، نظم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بالتعاون مع الغرفة الوطنية للنساء صاحبات المؤسسات ومؤسسة كونراد أديناور والوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل يوما إعلاميا حول نظام العامل لحسابه الخاص بتاريخ 28 أكتوبر 2025، وقد شكل هذا الحدث منصة استراتيجية لتبادل الخبرات بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والقانونيين والاجتماعيين حيث ساعد على تسليط الضوء على الدور المحوري للنظام في تعزيز التشغيل الذاتي وتحويل النشاط الفردي من اقتصاد غير رسمي إلى نشاط قانوني ومنظم ضمن الدورة الاقتصادية الرسمية ما يسهم في ترسيخ أسس التنمية المستدامة وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال.

وبالانتقال من السياق العام إلى تعريف النظام، يعرف العامل لحسابه الخاص بأنه إطار قانوني يسمح لأي شخص طبيعي بممارسة نشاط اقتصادي، تجاري، حرفي أو خدمي يصفة مستقلة ضمن سقف محدد من رقم المعاملات السنوي والإجراءات الضريبية والاجتماعية المبسطة، ويعد هذا النظام تطورا طبيعيا للسياسات الحكومية الرامية إلى تبسيط بعث المشاريع الصغرى، إذ يتيح للمبادر التسجيل الإلكتروني والحصول على معرف موحد يربطه بالإدارة الجبائية وبالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يمكنه من الاستفادة من التغطية الاجتماعية الأساسية والتأمينية وفي الوقت ذاته تجاوز العقبات الإدارية التقليدية، ومن ثم يتحول العمل الحرّ إلى خيار مشروع ومستدام ويساهم النظام في تقليص الاقتصاد غير الرسمي ورفع مستوى الشفافية الاقتصادية، مما يعكس الترابط الوثيق بين الإطار القانوني والتنمية الاقتصادية.

وفيما يتعلق بالإطار القانوني والتنظيمي، يستند النظام إلى القانون عدد 30 لسنة 2020 المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي أكد على دعم المشاريع الفردية والصغيرة باعتبارها رافعة أساسية للتنمية المحلية والعدالة الاجتماعية، كما يُكمل هذا القانون الأمر الحكومي عدد 956 لسنة 2022 الذي يحدّد الشروط والإجراءات الخاصة بصفة العامل لحسابه الخاص ويضع الالتزامات الضريبية والاجتماعية في إطار قانوني واضح، ومن جهة أخرى تعمل الحكومة على تحديث النصوص التطبيقية وتسهيل التسجيل عبر المنصة الرقمية الوطنية ما يعكس رؤية شاملة لدمج الاقتصاد غير المهيكل الذي يقدر بحوالي 38% من الناتج الداخلي الخام ضمن الدورة الاقتصادية الرسمية وبالتالي تعزيز قاعدة الإيرادات الجبائية وضمان استدامة الحماية الاجتماعية للمبادرين وهو ما يوضح الترابط بين التشريع والتطبيق العملي.

ويهدف النظام إلى تحقيق مجموعة مترابطة من الغايات منها تحفيز المبادرة الفردية وتشجيع ثقافة ريادة الأعمال خاصة بين الشباب والنساء وتسهيل بعث الأنشطة الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة بإجراءات مبسطة، إلى جانب تعزيز التشغيل الذاتي كخيار مستدام وبديل عن التوظيف التقليدي ودمج الأنشطة غير الرسمية ضمن الاقتصاد القانوني، فضلا عن توسيع القاعدة الجبائية والاجتماعية بما يضمن موارد إضافية للدولة لدعم التنمية المحلية، وبذلك يتضح أن النظام ليس مجرد إجراء إداري بل يمثل استراتيجية شاملة تربط بين المبادرة الفردية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ضمن رؤية مستدامة.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن عدد المبادرين الذاتيين المسجلين عبر المنصة الوطنية بلغ 18,000 شخص عام 2024.منهم 65% شباب دون سن الخامسة والثلاثين و34% نساء ينشطن أساسا في مجالات الخدمات، الصناعات التقليدية والتجارة الإلكترونية، كما سجلت الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل ارتفاعا ملحوظا في الطلب على برامج التكوين والإرشاد ما يعكس وعيا متزايدا بأهمية النظام كأداة لإنشاء مشاريع مستدامة، وعلاوة على ذلك تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن دمج النشاط غير الرسمي ضمن الإطار القانوني قد يرفع الناتج الداخلي الخام بنسبة تتراوح بين 5-8% على المدى المتوسط ويزيد من الموارد الجبائية والاجتماعية مما يعزز القدرة التمويلية للدولة لدعم برامج التنمية المحلية وتحفيز الاقتصاد الوطني بشكل شامل.

ومع ذلك، يواجه النظام تحديات جوهرية أبرزها غياب نصوص تطبيقية تفصيلية تنظم العلاقة بين المبادر والإدارة الجبائية والصناديق الاجتماعية، وضعف الوعي القانوني والجبائي لدى الفئات المستهدفة وصعوبة النفاذ إلى التمويل وغياب آليات قروض ميسّرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب نقص منظومة حماية اجتماعية شاملة تراعي هشاشة المشاريع الفردية والحاجة إلى برامج تكوين وتأطير مستمرة في مجالات الإدارة المالية والتسويق الرقمي لضمان استدامة النشاط وتوسيع فرص النجاح.

وفي ضوء هذه التحديات، اقترح الخبراء المشاركون في اليوم الإعلامي مجموعة من الحلول العملية أبرزها إنشاء دليل وطني موحد للإجراءات يبسط الخطوات القانونية والجبائية، تطوير منصة رقمية شاملة تربط الوزارات والمؤسسات المعنية لتسهيل متابعة المشاريع، توفير آليات تمويل مصغرة ميسرة للمبادرين، تعميم برامج التكوين والمرافقة التقنية في الإدارة المالية والتسويق الرقمي والابتكار في المنتجات والخدمات، إضافة إلى إرساء نظام حماية اجتماعية تدريجي يواكب نمو المشروع ويضمن استمرارية النشاط وتغطية المخاطر الاقتصادية والاجتماعية، كما أوصت التوصيات باعتماد مقاربة تشاركية بين القطاعين العام والخاص تنظيم حملات إعلامية وطنية لتعريف المواطنين بالنظام، إدماجه ضمن السياسات الجهوية للتنمية والتشغيل، ووضع آلية تقييم سنوية لمتابعة مؤشرات الأداء وعدد المشاريع المستدامة بما يضمن فعالية النظام واستمراريته على المدى الطويل وهو ما يؤكد على ضرورة الربط بين السياسات العامة والتنفيذ العملي لضمان نتائج ملموسة.

وبذلك، يمكن القول إن نظام العامل لحسابه الخاص (المبادر الذاتي) يمثل إصلاحا هيكليا واستراتيجيا يعكس إرادة الدولة في تمكين الأفراد، دعم التشغيل الذاتي ودمج الاقتصاد غير الرسمي ضمن الدورة الرسمية مع تعزيز الشفافية والكفاءة الاقتصادية، ورغم التحديات المرتبطة بالتطبيق فإن نجاح النظام يتيح تحويل المبادرة الفردية إلى مسار مهني قانوني ومنظم ويضع حجر الأساس لاقتصاد تونسي أكثر شمولًا وعدالة واستدامة قائم على المبادرة الفردية والمسؤولية الاجتماعية ويؤسس لبيئة مؤسساتية قانونية تدعم الابتكار وريادة الأعمال على كافة المستويات بما يسهم في دفع التنمية المحلية وخلق الثروة بشكل مستدام.

آخر الأخبار

“لوغوس” تكسر التقاليد!.. أول معرض كتاب في قصر بلديّة القلعة الصغرى ضمن مهرجان الرمان!

“لوغوس” تكسر التقاليد!.. أول معرض كتاب في قصر بلديّة القلعة الصغرى ضمن مهرجان الرمان!

نظام العامل لحسابه الخاص (المبادر الذاتي) في تونس نحو بناء استراتيجية متكاملة لتعزيز المبادرة الفردية وإدماج الاقتصاد غير المهيكل

نظام العامل لحسابه الخاص (المبادر الذاتي) في تونس نحو بناء استراتيجية متكاملة لتعزيز المبادرة الفردية وإدماج الاقتصاد غير المهيكل

العنف إلى أين؟.. تلاميذ "الكرامة" بسليمان يرفعون صوت الفن ضد العنف المدرسي

العنف إلى أين؟.. تلاميذ "الكرامة" بسليمان يرفعون صوت الفن ضد العنف المدرسي

فيرجي شامبيرز يقطع علاقته بالشافعي ويصف تصرّفه بـ"تجاوز لكل الخطوط"

فيرجي شامبيرز يقطع علاقته بالشافعي ويصف تصرّفه بـ"تجاوز لكل الخطوط"

إقالة تيودور.. ويوفنتوس يغرق في أزمة النتائج!

إقالة تيودور.. ويوفنتوس يغرق في أزمة النتائج!

Please publish modules in offcanvas position.