رغم أنّ القلب هو العضو الأكثر نشاطًا في الجسم، ينبض بلا توقف منذ مراحل الجنين الأولى، إلا أنّه نادرًا ما يكون ساحةً لنمو الأورام السرطانية. فبينما تسجّل أعضاء أخرى كالرئتين، الكبد، أو الجلد آلاف الحالات سنويًا، يبقى سرطان القلب من أندر أنواع السرطان على الإطلاق. فماذا يجعل القلب مُقاومًا لهذه الآفة؟ وهل يمكن أن نستغل هذا السر في تطوير علاجات ثورية لأمراض القلب والسرطان معًا؟
💡 القلب لا يتجدد... ولهذا لا يُصاب بالسرطان
توضح الأستاذة المشاركة في جراحة القلب والصدر والهندسة الحيوية بجامعة بيتسبرغ أن السر يكمن في آلية نمو القلب نفسه. فعلى الرغم من أن القلب هو أول عضو يتكوّن ويبدأ بالنبض أثناء تطور الجنين، إلا أن خلاياه تنقسم بمعدل منخفض جدًا بعد الولادة.
بحسب الباحثة:
"أقل من نصف خلايا القلب تُستبدل خلال حياة الإنسان... النصف الآخر يبقى معك منذ ولادتك وحتى النهاية."
وهذا الانقسام المحدود يعني فرصًا أقل لحدوث طفرات جينية، وهي المادة الخام التي يتغذى عليها السرطان. وكلما قلّ الانقسام، قلّ احتمال ظهور خلايا غير طبيعية.
🛡️ القلب محميّ طبيعيًا
وليس هذا فقط. فالقلب يتمتع بموقع محصّن:
- محمي بالقفص الصدري
- لا يتعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية
- لا يتفاعل بشكل مباشر مع السموم أو المواد الكيميائية المسرطنة كالتي تستنشقها الرئتان أو تلامسها البشرة
كل ذلك يجعل البيئة الفيزيائية للقلب غير مؤاتية لنمو الأورام.
🧬 متى يُصاب القلب بالسرطان؟
في الحالات القليلة التي يُكتشف فيها سرطان القلب، يكون في الغالب نتيجة انتشار ثانوي (نقائل) من سرطان آخر. أكثر الأنواع التي قد تنتقل للقلب:
- سرطان الجلد (الميلانوما)
- سرطان الثدي
- سرطان الرئة
لكن حتى حين يحدث، يكون سرطان القلب سريعًا وعنيفًا، ويتطلب تدخلاً طبيًا فوريًا.
رغم ندرة المرض، إلا أن المرضى الذين يتلقون العلاج الجراحي أو الكيميائي يحققون تحسنًا واضحًا في معدلات البقاء على قيد الحياة مقارنة بمن لا يتلقون علاجًا.
🧪 آفاق علمية جديدة... من السرطان إلى تجديد القلب
ما يعتبره العلماء "ضعفًا في التجدد الذاتي للقلب" هو ذاته سرّ مقاومته للسرطان. لكن اليوم، يقلب الباحثون المعادلة لصالحهم.
القلوب المصابة بـ فشل قلبي تحتوي على نسبة أعلى من الخلايا المنقسمة مقارنة بالقلوب السليمة، لكنها لا تكفي لتجديد القلب.
الأمل يكمن في إعادة برمجة خلايا القلب لتبدأ الانقسام بطريقة منظمة وآمنة.
الفكرة الثورية؟ أن نفهم كيف يحمي القلب نفسه من السرطان، ونُوظف ذلك لفهم أفضل لآليات تلفه وشفائه. وهذا قد يفتح الباب أمام:
علاجات لأمراض القلب المستعصية
- نظم دفاعية مناعية جديدة ضد السرطان
- هندسة خلايا مقاوِمة للسرطان في أعضاء أخرى
✨ القلب... العضلة التي لا تُهزم
إن القلب لا ينجو من السرطان بالصدفة، بل عبر آليات بيولوجية صارمة تمنع نمو الطفرات وتحميه فيزيائيًا من البيئة. هذه الخصائص التي جعلته محصنًا، قد تحمل المفاتيح لعصر جديد من الطب: طب يعالج السرطان من خلال فهم مقاومته... ويشفي القلب من خلال تحفيز تجديده.
وربما، في المستقبل القريب، لن يبقى القلب فقط رمزًا للحياة... بل أيضًا مفتاحًا لعلاجها.