تؤرق مسألة منح جنسية بعض الدول العربية لأبناء من سيدات لاجئات أو متزوجات من أجانب الملايين من الأشخاص الذين يرون أنه حق للطفل وأمه. ويحذر خبراء من تحول الأبناء بلا جنسية إلى وقود للإرهاب ونواة للعنف في المستقبل بالمنطقة.
شهدت الساحة العربية تحولات كبيرة في قضية منح المرأة العربية المزيد من الحقوق، لكن تبقى أزمة عدم أحقية المرأة في حصول أبنائها على جنسية دولتها مشكلة تؤرق بال كثيرين، وتبحث عن حلول واقعية في ظل انتشار الصراعات والنزاعات في عدد من الدول العربية، والتي خلفت وراءها أزمات اجتماعية معقدة.
وطالب حقوقيون وعاملون في منظمات المجتمع المدني مؤخرا الدول العربية بأن تمنح جنسياتها لأبناء سيدات مواطنات تزوجن من أجانب، لتكون للمولود أوراق ثبوتية واسم وهوية.
ونظمت جامعة الدول العربية مؤخرا المؤتمر العربي حول الممارسات الجيدة، والفرص الإقليمية، لتعزيز حقوق المرأة والمساواة في الحصول على الجنسية، بحضور 18 دولة عربية وبالتعاون والتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
واستند المؤتمر إلى عدة توصيات سابقة، منها إعلان القاهرة للنهوض بالمرأة والاستراتيجية العربية لتنمية المرأة 2030، ومقررات المؤتمر الوزاري الأول حول “المرأة وتحقيق السلم والأمن في المنطقة العربية” الذي عقدته الجامعة العربية، ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة في القاهرة في سبتمبر عام 2016.
كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أطلقت في عام 2014 حملة بعنوان “أنا أنتمي”، هدفت إلى مساعدة الأطفال على التمتع بإثبات هويّاتهم القانونية، وأكدت في توصياتها أنه من حق الأطفال الحصول على أسماء، وتسجيلهم عند ولادتهم من خلال أوراق ثبوتية ليسهل تعرفهم على ذويهم، وهو ما يضمن لهم الحق في الصحة والتعليم والحصول على الجنسية.
وأكدت إيناس مكاوي مديرة إدارة المرأة والأسرة والطفولة بجامعة الدول العربية أن “المؤتمر جاء اتساقًا مع الحملة العالمية للمساواة بين الجنسين، والظروف غير الآمنة للمنطقة العربية، ووجود مناطق حروب ونزاعات مسلحة، جعلت قضية الأطفال المولودين دون أوراق ثبوتية، وبالتالي فهم بلا جنسية، من أخطر الملفات التي تسعى الجامعة العربية إلى اتخاذ عدة تدابير بشأنها، ومن هنا جاء هذا المؤتمر الأول من نوعه، بحضور عربي وإقليمي”.
خطت دول عربية خطوات كبيرة في قضية منح الأبناء الجنسية، أبرزها السعودية ولبنان والجزائر والعراق، وعدلت كل من تونس ومصر مؤخرا قوانين منحت الطفل الحق في أن ينسب لجنسية أمه، حال كان أبوه أجنبيّا.
وعدلت مصر بعض مواد قانون رقم 26 لعام 1975، بالقانون 154 لعام 2004، وأقر حق الأبناء في منحهم جنسية الأم المتزوجة من أجنبي، وعلى هذا الأساس حصل 50 ألف فلسطيني وفلسطينية على الجنسية المصرية.
قالت مكاوي إنه بشكل عام تم إقرار الاستراتيجية العربية 2030، في عمان مارس الماضي، في المساواة بين الرجل والمرأة في كافة الحقوق، ومن بينها قضية منح الجنسية، وموافقة الدول العربية على أهمية منح الأطفال الأوراق الثبوتية، فالدول الأعضاء تعلم جيدًا مخاطر ميلاد أطفال بلا أوراق ثبوتية، مشيرة إلى أن الأطفال بلا هوية هم رصيد خصب للإرهاب والعنف في المنطقة العربية، فضلًا عن حرمانهم من حقوقهم التعليمية والصحية.
وأضافت مديرة إدارة المرأة بالجامعة العربية أن “كل دولة لديها تدابيرها وظروفها الأمنية التي ترى أنها مناسبة لمنح الجنسية من عدمه، ومن هنا جاءت أهمية عقد المؤتمر الأخير للاستفادة من التجارب وتبادل الخبرات، والمساعدة على وضع تشريعات، واختيار أفضل الممارسات لتتبناها الدول العربية”.
وأوصى المؤتمر الدول الأعضاء بضرورة دعم وتطوير وتنفيذ التشريعات المتعلقة بالجنسية بما يتسق مع المعايير الدولية، والعمل على رفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة “سيداو” التي تحمي المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل في اكتساب الجنسية أو الاحتفاظ بها أو منحها للأطفال. وأشارت ميرفت التلاوي التي تشغل منصب مدير عام منظمة المرأة العربية، إلى أن “منح الجنسية للمرأة وأن تكون للطفل أوراق ثبوتية، يجب أن تصاحبهما آليات قانونية وتنفيذية من قبل الدول الأعضاء”.
وكشفت أنها زارت الكثير من معسكرات اللجوء في العراق والأردن ولبنان وغيرها، ووقفت على مآسي متعددة شاهدتها بأم عينيها، ومنها حالة لواحدة من اللاجئات السوريات، توقفت الأمم المتحدة عن صرف الغذاء والدواء لها لأنها لا تحمل أوراقًا ثبوتية، ومعها أطفال وفُقد زوجها في سوريا، لافتة إلى أن هذه السيدة كانت تعمل طبيبة ووقت النزوح فرت هاربة دون أن تحمل معها أوراقًا تثبت هويتها وهوية أطفالها.
وحذرت التلاوي من أن ثمة خطرا كبيرا يحدق بالمرأة العربية الواقعة بين أنياب الصراعات ما يجعلها معرضة للاستغلال والإيذاء، لذلك يجب على الدول الأعضاء بالجامعة أن توحّد جهودها لتعزيز حقوق المرأة، خاصة في قضية الجنسية، سواء بتغييرها أو بمنحها أو بمنح الحق في تغييرها متى أرادت، مشددة على أهمية التنسيق بين الدول الأعضاء والخروج بتشريعات مناسبة والعمل على تنفيذ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان للحد من تفاقم الأزمة.