ضبط شحنة أسلحة في شمال دارفور بالتزامن مع الشحنة القطرية الطبية يثير غضب السودانيين.
الخرطوم - سلّط التدخل التركي الواسع في ليبيا والدفع بعناصر سورية مسلحة للقتال ضد الجيش الوطني الليبي، الضوء على إمكانية استغلال الحدود الرخوة بين ولاية شمال دارفور في السودان وكلّ من تشاد وليبيا وتوظيفها عمليا كي تصبح مساراً حيويا لدعم الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، بالتوازي مع إعلان مصادر أمنية سودانية ضبط شحنة أسلحة قبل تهريبها إلى داخل ليبيا.
وكشفت وسائل إعلام سودانية عن ضبط قوات الدعم السريع شحنة أسلحة كبيرة بشمال دارفور في طريقها إلى ميليشيات مسلحة في طرابلس، وهو ما قد يفسر أسباب الهجوم القطري الأخير على قوات الدعم السريع والتشكيك في قيادتها العسكرية.
وذكرت التحقيقات أن الشحنة تخص عناصر قطرية تقوم، بالتعاون والتنسيق مع وسطاء من تركيا، بتهريب السلاح إلى ليبيا، وهي الأكبر على مدار السنوات الخمس الماضية.
وألقت قوات الدعم السريع القبض على عناصر من جنسيات مختلفة، وضبطت جوازات سفر خاصة بجميع الأفراد المضبوطين مع الشحنة، وبينهم من يحملون جوازات سفر تركية.
وتزامن الإعلان عن الشحنة المضبوطة مع وصول أولى الشحنات الطبية المقدمة من الهلال الأحمر القطري إلى السودان، ما أعاد إلى الأذهان استغلال الدوحة لسلاح المساعدات الإنسانية التي تقدمها إلى عدد من دول القارة الأفريقية للتغطية على دعم وتمويل مجموعات متشددة.
وقالت مصادر سودانية إن ضعف التواجد الأمني في تلك المنطقة (شمال دارفور) يسمح لأجهزة استخباراتية على صلة بميليشيات طرابلس باستغلالها في عمليات التهريب، في ظل وجود خمسة مسارات لإيصال السلاح من السودان إلى ليبيا.
وأضافت المصادر أن الطريق الأكثر استغلالاً يوجد في شمال دارفور، حيث توجد عناصر مسلحة تربطها علاقات بدولة قطر، ويفتقر الطريق إلى السيطرة الأمنية الرسمية، نتيجة عدم توقيع اتفاق السلام بين الحركات المسلحة في دارفور والسلطة الانتقالية حتى الآن.
ويمر الطريق من دارفور إلى منطقة القلع الغربي في السودان أيضا، ثم إلى ليبيا بالقرب من منفذ السارة إلى خط الأربعمئة، ومن ثم إلى جبل كلمنجة ومنطقة واو الناموس، ومنها إلى سبها، ثم العاصمة طرابلس.
واعتبرت مصادر سياسية سودانية أن تهريب قطر للسلاح عبر دارفور تحدّ للسلطة الانتقالية السودانية، وضرب لمفاوضات السلام الجارية في جوبا، في ظل التحسن الملحوظ في مسارات التفاوض وتطور العلاقة بين الطرفين بوجه عام.
وأكد سياسيون سودانيون أن قطر استغلت علاقاتها مع نظام الرئيس المعزول عمر حسن البشير لنسج علاقات قوية منذ سنوات مع بعض الحركات المسلحة هناك، وبالتحديد حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، ودعّمت التوصل إلى اتفاق سلام قبل سقوط البشير، ما يعزز نفوذها على الحدود المترامية، وأن التوصل إلى اتفاق سلام نهائي خلال الفترة المقبلة من شأنه أن يقوّض هذا النفوذ، حيث ستكون هناك قوات عسكرية منضبطة.
كما جرى استغلال مخيمات اللاجئين في دارفور لدعم عمليات تهريب الأسلحة وتحويل السودان وقتها إلى نقطة انطلاق للعديد من العناصر الإرهابية التي دعمها نظام البشير بإيعاز من قطر.
وقالت الباحثة في الشؤون الأفريقية، هبة البشبيشي إن التواجد القطري في دارفور يستهدف أساساً خلق طرق تهريب جديدة إلى القارة الأفريقية بعد أن تقلصت نسب تهريب السلاح والبشر عبر البحر المتوسط، وتحولت دول مثل السودان وإريتريا وتشاد إلى طرق بديلة لتمويل التنظيمات الإرهابية، وإنه يجري الاعتماد على هذه الطرق بصورة مكثفة حالياً في ظل تزايد التدخل التركي في ليبيا.
وأضافت البشبيشي أن الطريق الذي مدته الحكومة الفرنسية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالي دارفور عام 2007، في أثناء الحرب بين نظام البشير والحركات المسلحة هناك، أضحى مرتعاً لتهريب السلاح والبشر، في ظل غياب قوات تابعة للحكومة المركزية في الخرطوم.
واستهدف الطريق فتح ممرات إنسانية من دارفور إلى مدينة أبشي التشادية ومنها إلى منطقة قوز بيضا الحدودية في شرق تشاد، حيث يقيم الآلاف من اللاجئين، وهو طريق ممهد تسير فيه عربات الدفع الرباعي والدبابات، ويجري من خلاله تهريب المعدات العسكرية، إلى جانب المتشددين، من دارفور إلى تشاد ثم ليبيا.
وبرز استغلال قطر لحدود السودان من أجل دعم الميليشيات في ليبيا منذ العام 2012، بعد أن أشارت وثائق أميركية منشورة في 2017 عن تورط الدوحة في دعم العناصر الإرهابية المتهمة بقتل السفير الأميركي في ليبيا جون ستيفنز أثناء الهجوم على مبنى السفارة الأميركية في بنغازي.
وأكدت الوثائق أن ميليشيات أنصار الشريعة المتورطة في الحادث حصلت على أسلحة ثقيلة مهربة من الأراضي السودانية، وأن الكونغرس اطّلع على قائمة أسماء لمسؤولين قطريين سهلوا للجماعة المنفذة الهجوم على القنصلية الأميركية الحصول على السلاح وزوّدوهم بصواريخ متعددة الأغراض.
ويأتي غالبية المهاجرين من السودان وتشاد والنيجر وغيرها من دول الجوار الليبي، والكثير من تجار البشر ينشطون في إقليم دارفور منذ سنوات، خاصة وأن نظام البشير لم يكن يعبأ كثيراً بما يجري على الحدود ما ساهم في أن يتحول السودان إلى بؤرة للإرهاب المدعوم قطريا.
ويرى خبراء أن قضايا التهريب عبر الحدود الممتدة لا تزال قضية حيوية، وأن الحكومة الانتقالية بقدراتها المحدودة لن يكون بإمكانها التعامل مع التهريب، وأنها بحاجة إلى دعم خارجي يسهم في رفع كفاءة القوات النظامية التي يجري إعادة ترتيب صفوفها عقب التوصل إلى اتفاق شامل للسلام في السودان.
وأحبطت السلطات السودانية، خلال شهر أكتوبر الماضي، عملية تهريب أسلحة تركية الصنع قادمة من إحدى دول الجوار (لم تسمّها الخرطوم) كانت في طريقها إلى الولايات الشرقية.
وقال مدير مكافحة التهريب بالولاية الشمالية المقدّم شرطة وحيد بابكر كالو “إنه تم تتبع وضبط 1200 قطعة سلاح معبأة داخل 35 صندوقا، وهي عبارة عن مسدسات تركية الصنع، محملة في شاحنتين صغيرتين كانت في طريقها إلى الولايات الشرقية”.
وأكدت الباحثة السودانية، تماضر الطيب، أن البلدان التي ترفض الثورة ونتائجها، وعلى رأسها قطر وتركيا، لديها مصلحة في أن يظل السودان في حالة فوضى وانحدار اقتصادي، بما يغذي حروب الوكالة ليس في السودان فحسب، بل في القرن الأفريقي بوجه عام.
وأضافت الطيب أن السودان يشهد منذ فترة أنشطة تهريب مكثفة وترتّب على ذلك البقاء على اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، كما أن وجود حكومة انتقالية بعيدة عن الإسلاميين أحدث تقدماً في مواجهة التنظيمات المتطرفة التي تنشط على الحدود عبر تجارة السلاح، غير أن وجود جماعات مستفيدة من تلك التجارة يُصعّب من مهمتها في القضاء عليها، خاصة أن قطر لن تعدم الأذرع التي تنفذ تعليماتها.
وأشارت إلى أن السلطة الانتقالية ما زالت تحاول تثبيت الانتقال السلمي والديمقراطي باعتباره أولوية قصوى، ما جعلها لم تتفرغ بعد لمواجهة الجماعات المنتشرة على الحدود حيث تشكل أرضية خصبة للتهريب، وهو ما تستغله أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وفي مقدمتها القطرية والتركية، ومتوقع أن يكون هناك تواجد أمني مكثف في عقب التوافق مع الحركات المسلحة.