مرتزقة سوريون يهربون من القتال في طرابلس للانضمام للمهاجرين إلى أوروبا.
تونس – اتسعت الهوة بين المرتزقة السوريين والأجانب الذين زج بهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أتون المعارك في ليبيا، وضباطهم الأتراك وقادة الميليشيات المحسوبة على حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، في تطور لافت عمقته حالة التململ والاستياء غير المسبوقة، خصوصا بعد أن نكث الأتراك وعودهم وتخفيض رواتب عناصر المرتزقة.
وينذر الاستياء الذي وصل إلى العصيان باصطدام مُسلح وشيك بعد رصد أكثر من تمرد ميداني نفذه عناصر من المرتزقة خلال الأيام القليلة الماضية على الضباط الأتراك في محيط العاصمة طرابلس، منها صلاح الدين ومشروع بوسليم والطويشة وعين زارة، حيث تم فيها تسجيل مُناوشات مُسلحة بين المرتزقة وأفراد الميليشيات الموالية لحكومة السراج.
وقالت مصادر أمنية ليبية: حدثت المُناوشات في أعقاب سلسلة من الانسحابات الميدانية العشوائية للمرتزقة في أكثر من محور قتالي، وقد جرت بالأساس في محور الهضبة، بين مجموعات من المرتزقة وميليشيا “الدعم المركزي – أبوسليم” التي يقودها عبدالغني الككلي المعروف باسم”غنيوة”، وفي محور صلاح الدين بين المرتزقة والكتيبة 301 المعروفة سابقا باسم كتيبة “الحلبوص” التي يقودها عبدالسلام الزوبي.
وتتمركز ميليشيا الدعم المركزي في منطقة بوسليم بالعاصمة طرابلس والهضبة وأجزاء من طريق المطار، بينما تتمركز الكتيبة 301 التي تُعتبر من أكثر الميليشيات التي انضم إليها المرتزقة في أجزاء من مشروع الهضبة والكريمية وباب بن غشير وصلاح الدين وخلة الفرجان، وعدد من المواقع الأخرى جنوب غرب العاصمة طرابلس.
واعتبرت المصادر أن تلك المناوشات تخللتها اتهامات بالجبن، وإهانات بعبارات “عنصرية” أثارت غضب مسؤولي المرتزقة الذين رفضوا الانصياع لأوامر قادة ميليشيات حكومة السراج، وأيضا لأوامر الضباط الأتراك الذين يبدو أنهم اصطفوا إلى جانب قادة الميليشيات، وخاصة ميليشيا الكتيبة 301 التي تتبع حاليا رئاسة الأركان العامة الموالية لحكومة الوفاق.
ورجحت أن تتطور تلك المناوشات إلى اشتباكات مُسلحة، حيث تؤكد المُعطيات المُتواترة من محاور القتال أن الخلافات والصدامات بين المرتزقة السوريين وعناصر الميليشيات الليبية لا تتوقف، والأسباب دائما تتمحور حول من يقود المعارك، وحول الغنائم التي يتم السطو عليها من منازل المواطنين في مناطق القتال.
ويُشرف حاليا على توزيع المرتزقة السوريين في جبهات القتال في ليبيا والتنسيق بينهم وبين الضباط الأتراك وقادة بقية الميليشيات، قائد الكتيبة 301 عبدالسلام الزوبي.
وترافقت الخلافات مع تسجيل تزايد حالات فرار المرتزقة من محاور القتال، ومحاولتهم الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وسط تواتر التقارير التي تُشير إلى أن وزير داخلية حكومة السراج فتحي باشاغا شكل فرقة عسكرية خاصة من عناصر ميليشيات مصراتة لملاحقة أي مرتزق يحاول مغادرة طرابلس، وذلك بعد تلقيه تحذيرات شديدة اللهجة من الإيطاليين الذين يتوجسون انتقال المرتزقة إليهم كمهاجرين.
وتصاعدت عمليات التمرد في صفوف المرتزقة السوريين، بعد اتضاح حقيقة الوعود التركية الزائفة، وتزايد حصيلة القتلى لديهم، وتفشي فايروس كورونا في صفوفهم، الأمر الذي أربك القيادة العسكرية التركية في ليبيا، ودفعها إلى مراجعة خططها، إلى جانب اتخاذ إجراءات للتخفيف من حدة التوتر الذي باتت تتسم به العلاقة بين الضباط الأتراك، وقادة سرايا ومجموعات المرتزقة.
وكشفت مصادر أمنية ليبية أن تركيا شرعت في إجلاء عدد من ضباطها وجنودها المُتمركزين في ليبيا، واستبدالهم بآخرين، وذلك في محاولة لجسر الهوة التي اتسعت بين المرتزقة السوريين وضباطها في محاولة لاحتواء غضبهم وتفادي تحوله إلى تمرد مُسلح قد يُفسد مُخططاتها في ليبيا.
وأشارت المصادر إلى أنه تم خلال الأيام القليلة الماضية نقل العشرات من الضباط العسكريين والأمنيين من طرابلس إلى تركيا، وهو ما أكدته وكالة الأنباء التركية “الأناضول”، التي ذكرت أن السلطات التركية “أجلت 63 مواطنا من ليبيا”، حيث وصلوا إلى مطار إسطنبول، الجمعة الماضي، دون أن تُفصح عن هويتهم وعمّاذا كانوا يفعلون في ليبيا.
وأعادت هذه العملية تسليط الضوء على التواجد العسكري والأمني التركي في ليبيا، باعتبار أن كل المؤشرات تدل على أن ما تم ليس عملية “إجلاء”، وإنما هو عملية “استبدال” لضباطها وجنودها في ليبيا، وخاصة أن ذلك تزامن مع تنظيم السلطات التركية جسرا جويا بين إسطنبول ومطاري معيتيقة بالعاصمة طرابلس، ومصراتة لنقل المزيد من العتاد الحربي إلى الميليشيات الليبية.
ودفعت تركيا خلال الأشهر القليلة الماضية بالعشرات من الضباط والمئات من المهندسين والتقنيين إلى ليبيا، لإدارة العمليات المُسلحة عبر استخدام القناصة ومنظومات الدفاع الجوي والتشويش والطائرات المُسيرة، وذلك تحت قيادة بريغادير جنرال خليل سويسال الذي ترددت أنباء عن مقتله في الثامن عشر من فيفري الماضي إثر إصابته خلال قصف للجيش الليبي استهدف سفينة تحمل أسلحة تركية بميناء طرابلس.
واعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمقتل عدد من ضباطه وجنوده في ليبيا، لكنه لم يذكر أيا من أسماء القتلى أو رتبهم العسكرية، وذلك في الوقت الذي أعلن فيه الجيش الليبي برئاسة المشير خليفة حفتر عن قتل وجرح وأسر العديد من الأتراك في محاور القتال، في محيط العاصمة طرابلس.
وكشفت تقارير أمنية ليبية وتركية في وقت سابق أسماء العديد من الضباط الأتراك منهم الفريق جوكسال كاهيا، والفريق عرفان أوزسارت، واللواء جورسال تشايبينار، واللواء سلجوق يافوز، وألكاي ألتينداغ، وبولنت كوتسال، وجينان أوتقو، وعزالدين ياشيليورت، وقنال إمره، وأمير مرادلي
الجمعي قاسمي
صحافي تونسي