الصفحة 4 من 4
عودة للسيرة الأولى
تصلح شهادات رموز الدعوة السلفية بمصر من نوعية محمد حسان ومحمد حسين يعقوب أمام المحكمة التي يمثل أمامها 12 متهما في القضية رقم 271 لسنة 2021 المعروفة إعلاميا بـ”خلية داعش إمبابة”، كمحطات توثق مسيرة التيار السلفي التي شهدت تقلبات حادة وإعادة تموقع أكثر من مرة وفق الظروف والمخاطر التي يواجهها.
قبل سنوات قليلة من الشهادة الأخيرة التي زعم خلالها الداعية السلفي صاحب الشعبية الطاغية محمد حسان أنه لا يعلم عن جماعة الإخوان أكثر مما يعلمه القاضي عنها، كان هو ورفاقه ضمن قيادات ورموز الدعوة السلفية بمصر يخططون لكيفية استغلال ظرف التحولات بالمنطقة العربية لتحصيل أقصى المكاسب الممكنة كيلا يصبح السلفيون هم الأقل حظا في مرحلة ما بعد الثورات مقارنة بحظوظ الإخوان والسلفية الجهادية.
وبعد أن حرص السلفيون خلال مرحلة الصعود الإسلاموي على إثبات كونهم جزءا من الحالة الصاعدة ولا يقلون عن الإخوان دراية بالواقع السياسي المعاصر ولا يتميز عنهم فصيل الجهادية السلفية في مضمار الدعوة لتغيير الواقع تحت راية الجهاد، تحتم عليهم اليوم إعادة التموقع بعد أن أُزيح نظام الإخوان وفشلت الجماعة بمعاونة فصائل السلفية الجهادية في استرداد السلطة بالقوة وانهار مشروع الإسلام السياسي في المنطقة.
لم يعد للإخوان أدنى فرصة للوصول إلى السلطة مرة أخرى ولن تتاح لهم رفاهية الاستعلاء على السلفيين والترويج لمزاعم التفوق السياسي وامتلاك الخبرات الأكبر في فهم الواقع المعاصر وإدراك طرق التعاطي معه، ويعيش الجهاديون أوقاتا صعبة بعد هزائمهم الميدانية ويُحاكم الكثيرون منهم في قضايا العنف الذي ارتكبوه، لذلك بات الشيء المنطقي الذي وجب على دعاة السلفية القيام به أن يعدلوا وجهتهم ويضبطوا بوصلتهم مجددا وفق سيرتهم الأولى بعد أن تغيرت الظرفية.
كان هدف المحكمة من سماع شهادة رموز الدعوة السلفية محاولة التوصل إلى طبيعة تلك الأفكار التي قاموا ببثها على المنابر والشاشات وأدت إلى اعتناق بعض الشباب للفكر التكفيري وحمل السلاح وتنفيذ عمليات إرهابية، وأنكر محمد حسان وقبله حسين يعقوب أن يكون فكرهما مرجعية استند إليها أعضاء الخلية الإرهابية لتبرير جرائمهم.
وتبدو محاضرات دعاة السلفية الشهيرة والتي وثقها اليوتيوب كفيلة بإثبات صحة أقوال أعضاء الخلية الإرهابية حيث تدرجوا من الالتزام الديني ثم الانتماء إلى الفكر السلفي ثم الفكر السلفي الجهادي، متأثرين بخطب يعقوب وحسان والحويني خاصة تلك التي تبث الكراهية ضد المختلفين في العقيدة وتبيح الغزو تحت عناوين الجهاد في سبيل الله لإقامة دولة الخلافة الأممية.
يُنظر إلى شهادة الداعية السلفي محمد حسان وقبله محمد حسين يعقوب في سياق هزيمة تيار الإسلام السياسي، باعتبارها إعادة تموقع عبر العودة إلى الحالة السلفية الأولى، عندما كان الإخوان يرثون لجهل السلفيين بالواقع السياسي ويتهمهم الجهاديون بالقعود والتخاذل.
وتدارك حسان بدهائه الخطأ الذي وقع فيه زميله يعقوب؛ لأن الإنكار والإجابة على غالبية الأسئلة بـ”لا أدري” كما فعل يعقوب كذب بسيط للهروب من المحاسبة، أما حسان فقد عمد للكذب المركب ليرد عن السلفيين إهانة وتجريح الإخوان والجهاديين، حيث ظهر متفلسفا عالما بأصول التنظيمات ومناهج الحركات وتصنيفاتها، وقصده أنهم لم يكن لهم صلة بتلك الجماعات التي تمثل امتدادا للخوارج.
حرص حسان من خلال التنظير أمام المحكمة بعبارات تدين ممارسات الإخوان والجماعات الجهادية والتي يظهر من صياغتها أنها مستوحاة من كتابات بعض المفكرين المستقلين على أن يبعث برسالة للإخوان والجهاديين بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة مفادها أن السلفيين ليسوا أقل شأنا من الإخوان والجهاديين، بل كانوا ولا يزالون الأكثر علما ودراية منهم جميعا بالواقع المعاصر وطرق التعاطي معه.
هشام النجار
كاتب مصري