العهود المنقوضة ليست وليدة اليوم يقينا في تعاملات النّاس والدول على حد سواء، للغدر عنوان وللتنصل أصحاب، ولو تمعنا في التاريخ الآفل القريب لوجدناه يحبل بشكل صارخ بكل ما لم يلذ من هذه العهود المغدرة والتي انجرت عنها تبعات وآثار قاسية على البشر والأرض سيّان.
إتفاقية العار أو اتفاقيّة سايكس بيكو المبرمة العام 1916 بين فرنسا وندوبها جورج بيكو وبريطانيا ومندوبها مارك سايكس والتي رسمت حدود مشروع الشيطان المجدد لمصائر الرجل المريض ، ضاربة عرض الحائط الاتفاق المسمى الحسين –ماكمون فيها انبثقت تقسيمات مروعة للعالم العربي وكانت بداية لأزمة فلسطين التي ثمّ وضعها تحت الوصاية الدولية تمهيدا لغدر آخر بريطاني وطعن سافر في الخاصرة العربية بمنح الصهاينة وطن قومي لهم فوق الأراضي الفلسطينيّة وهو ما عرف فيما بعد بوعد بلفور المشؤوم (وعد من لا يملك لمن لا يستحق).
بريطانيا خذلت العرب عندما قدمت لهم وعدا إبان الحرب العالمية الأولى بأن تمنح لهم الحريّة والاستقلال مقابل وقوفهم معها ولم تكن المرة الأولى ولم تكن الأخيرة، فبريطانيا إستغلت خلال تلك الحقبة الزمنيّة العويصة تشرذم العرب وطمع بعض قادتهم بالاستقلال عن الدولة العثمانية المهتريء وضعها.
من مثل العرب أو أراد تمثيلها في مؤتمر الصلح بباريس تأكد من حقيقة الإتفاق الصاعقة الذي صار واقعا ملموسا فيما بعد خلال فعاليات هذا المؤتمر في يناير من العام 1919 بالعاصمة الفرنسيّة، والذي أرخ لمعضلة تقسيم المقسم وتجزئة المجزء في عالمنا العربي، فلسطين والمشهد الأكثر دراماتيكيّة في خارطة العالم البائس ترسم لنا كل مرة وخلال كل رمضان يوميات من المرابطة والمقاومة في وجه الغزاة وفي وجه كل من تسبب في الجرح الغائر الذي أصابها من وعد بلفور إلى الإنتداب البريطاني إلى قيام الكيان الصهيوني العام 1948 إلى الإعتداءات الجبانة والممارسات الصارخة في حق هذا الشعب الباسل المقاوم ومقدساته التي بذل ويبذل مهحة العين في سبيل الدفاع عنها رغم كل الظروف وكل التواطؤات وخذلان القريب والغريب.
غزّة المهمّشة ومن ورائها فلسطين المحتلة قاطبة صرخت بالأمس البعيد وبالأمس القريب وهاهي اليوم تستغيث وتنظر إلى السّماء بدعاء الفرج والنّصر بصبر بل باصطبار تبكي حالها وخنجر مدسوس بخاصرتها يرسم جرحا لم يندمل من زمان، جرحٌ غائر يكشف عورات المسلمين صوب قضيّة أُمٍّ تعتبر بحق أمّ القضايا العربيّة الإسلامية وجوهرها ومرتكزها الذي تدور حوله باقي القضايا الأخرى مهما كانت مفصليتها وجوهريتها.
قد لا تنتصر غزّة اليوم ولكنها رفعت بتضرّع يدها المخضوبة بالدماء إلى السّماء، والنّصر آتٍ لا محالة مادامت المقاومة حيّة نابضة ومادام هناك من يؤمن بالمشروع التحرري إيمانه بوحدة الأراضي الفلسطينيّة ووحدة الشعب الفلسطيني غير القابلة للتجزئة والشّرذمة.
عزيز فيرم كاتب سياسي وروائي جزائري.