في خريف عام 1882، كانت مصر على أعتاب أحداث تاريخية غيرت مسارها لسنوات قادمة. الزعيم الوطني أحمد عرابي كان يواجه واحدة من أصعب الأزمات في حياته، حيث كان يتأمل قناة السويس من موقعه في الإسماعيلية، مدركًا أن هذه القناة ستكون الشريان الذي سيسمح للقوات البريطانية بالتقدم لاحتلال مصر والقضاء على الحركة الوطنية التي يقودها.
اقرأ أيضا:
غارة جوية إسرائيلية تقتل 40 وتجرح 60 في خان يونس: اتهامات متبادلة بين حماس وإسرائيل
فيضانات استثنائية تضرب المغرب والجزائر وتؤثر على تونس: تغيرات مناخية وتجدد السحب الاستوائية
غارات إسرائيلية على وسط سوريا تخلّف سبعة قتلى بينهم ثلاثة مدنيين
خطرت على عرابي فكرة جريئة: ردم قناة السويس لتعطيل تقدم الأسطول البريطاني عبرها. لكنه تراجع عن تنفيذ الفكرة بعد أن قطع المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، الذي أشرف على بناء القناة، وعدًا لعرابي بعدم السماح للبريطانيين باستخدام القناة. لكن ديليسبس سرعان ما أخلف وعده، مما سمح للقوات البريطانية بالدخول عبر القناة واحتلال مصر.
في هذا السياق، كتب المفكر المصري الشيخ محمد عبده عن محنة عرابي قائلاً: "اعتمد عرابي على ديلسبس في حماية القنال، وكان يظن أن مس القنال يهيج عليه جميع الأمم". عرابي كان يعتقد أن أي محاولة لتعطيل القناة ستثير غضب القوى الأوروبية، وهو ما منعه من اتخاذ قرار مصيري كان من الممكن أن يغير مجرى الأحداث.
في 13 سبتمبر 1882، دخلت القوات البريطانية معركة التل الكبير بعد أن اخترقت القناة. كانت المعركة قصيرة، استمرت حوالي 40 دقيقة، لكنها كانت كافية لإلحاق خسائر جسيمة بالقوات المصرية. قتل فيها حوالي 2000 جندي مصري، بينما بلغت خسائر البريطانيين 57 قتيلًا فقط.
المعركة كانت حاسمة؛ إذ ألقي القبض على عرابي بعدها، وحكم عليه بالإعدام، قبل أن يتم تخفيف الحكم إلى النفي في سريلانكا. انتهت بذلك فترة عرابي، وبدأت مصر مرحلة جديدة تحت الاحتلال البريطاني.
يُعد ردم قناة السويس واحدًا من القرارات التي لم يتخذها عرابي، والتي قد تكون غيرت مسار التاريخ المصري. فقد كان هناك خطر أن يصور عرابي وأتباعه على أنهم مخربون، الأمر الذي كان سيستخدمه البريطانيون لتبرير غزوهم، ولكنه فضل حماية مصر من هذا السيناريو.
يقول محمود الخفيف في كتابه "عرابي الزعيم المفترى عليه" إن عرابي لم ينخدع كليًا بديليسبس، لكنه كان مدركًا للعواقب الدبلوماسية والاقتصادية لتخريب القناة، وهو ما حال بينه وبين اتخاذ هذا القرار الجذري.