في مشهد يفيض بالمأساة، يقف محمد شمالي، البالغ من العمر 11 عامًا، فوق أنقاض منزلهم المدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة. يمسك بدلو مكسور ليجمع فيه بقايا السقف المتساقط، يحول الحطام إلى حصى يستخدمه والده جهاد شمالي، عامل البناء السابق، لصنع شواهد قبور لضحايا الحرب.
مقالات ذات صلة:
غزة تحت النيران: 24 قتيلاً وعشرات الجرحى في غارة إسرائيلية على مسجد ومدرسة
الأمم المتحدة تحذر: الوضع الإنساني في غزة يتجاوز الكارثي
جيش الاحتلال يعلن نهاية عملياته في غزة: هل نشهد قريباً اتفاقاً لوقف إطلاق النار؟
الحرب التي تركت آثارها العميقة على سكان غزة لم تقتصر على القتل والدمار فقط، بل تسببت في تراكم 42 مليون طن من الركام، وفقًا للأمم المتحدة. هذا الركام الذي يغطي مساحة ضخمة ويعيق حياة الناس أصبح الآن جزءًا من جهود جبارة للتعامل مع تداعيات الحرب. ومن بين هذه الجهود، استخدام الأنقاض لصنع شواهد قبور الضحايا الذين لقوا حتفهم.
جهاد شمالي يعبر عن الواقع المؤلم قائلاً: "بنجيب الدبش مش كرمال نبني فيه دور، لبلاط الشهداء وللمقابر". في إشارة إلى أن حياتهم انتقلت من مأساة إلى مأساة أخرى، فبدلاً من بناء المنازل، يستخدمون الأنقاض لتخليد ذكرى الشهداء.
أنقاض تعلو كل يوم: مأساة غزة المتزايدة
الحملة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد حركة حماس خلفت دمارًا هائلًا. ويقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن إزالة 10 ملايين طن من الحطام سيكلف حوالي 280 مليون دولار. لكن المشكلة ليست في التكلفة فقط، بل في التحديات اللوجستية والإنسانية، حيث أن الأنقاض تحتوي على جثث غير منتشلة وقنابل غير منفجرة، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على حياة سكان القطاع.
يشير أليساندرو مراكيتش، رئيس مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في غزة، إلى أن العملية ستكون ضخمة وتستغرق سنوات. وقد قدرت الأمم المتحدة أن إزالة الركام بالكامل قد تستغرق 14 عامًا. ومع كل يوم تمر به غزة دون حل سياسي، تتزايد كمية الأنقاض وتتفاقم الأزمة.
الركام يشكل خطرًا صحيًا وبيئيًا
لم يقتصر خطر الأنقاض على الأضرار المادية فقط، بل يمتد إلى تهديدات صحية كبيرة. إذ أظهرت تقارير من منظمة الصحة العالمية أن الغبار الناتج عن الركام قد يؤدي إلى تلوث المياه والتربة، ويتسبب في أمراض الجهاز التنفسي. كما أن الحطام قد يحتوي على مواد سامة مثل ألياف الأسبستوس، التي تسبب السرطان.
كما يشكل الغبار مصدر قلق بيئي يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية في العقود القادمة. وقد حذر الأطباء من أن استمرار هذه الوضعية يهدد بزيادة معدلات الإصابة بالأمراض الخطيرة في القطاع المحاصر.
نقص الأراضي والمعدات يعمق الأزمة
تحديات التعامل مع الركام لا تقتصر على حجم الدمار فقط، بل يشمل نقص الأراضي المخصصة للتخلص من النفايات والمعدات الضرورية لإعادة التدوير. كما أن القيود الإسرائيلية على إدخال المعدات والآلات تعيق الجهود، ما يجعل العملية بطيئة للغاية ويضعف قدرتها على التعامل مع الحجم الهائل للأنقاض.
من الفقد إلى المقاومة: الأمل في إعادة البناء
رغم حجم المأساة، تظل هناك جهود حثيثة لإعادة بناء غزة. تُستخدم الأنقاض في بعض الأحيان في مشاريع إعادة البناء، مثل بناء الموانئ البحرية، وتخطط الأمم المتحدة لإعادة تدوير جزء من الركام لبناء شبكات الطرق وتعزيز الخط الساحلي.
غزة التي فقدت الكثير من أبنائها ومبانيها، تقاوم الآن بفعل الإرادة والعزيمة، على أمل إعادة البناء من جديد.