اختر لغتك

مفترق المصير العربي

مفترق المصير العربي

القمة العربية الطارئة التي انعقدت في القاهرة بشأن القضية الفلسطينية لم تكن مجرد اجتماع تقليدي لإصدار بيانات تنديدية، بل جاءت كمحطة مفصلية تعكس إصرار الدول العربية على التصدي للانتهاكات المستمرة للكيان الغاشم خاصة فيما يتعلق بمحاولات تهجير الشعب الفلسطيني قسرا، هذه القمة التي التأمت في ظرف بالغ الحساسية لم تكن مجرد تأكيد للمواقف العربية، بل جاءت كإعلان واضح بأن محاولات فرض واقع ديمغرافي جديد على الأرض الفلسطينية مرفوضة جملة وتفصيلا سواء تم ذلك عبر الطرد المباشر أو من خلال سياسات التجويع والتدمير الممنهج التي يمارسها الاحتلال لدفع الفلسطينيين إلى مغادرة أرضهم تحت وطأة القهر والحرمان.

مقالات ذات صلة:

30 عامًا على منهاج بيجين: هل أوفت الدول العربية بوعودها تجاه المرأة؟

نبيل معلول يثبت حضوره الإعلامي في 'أون سبورت': خطوة جديدة لدعم الرياضة العربية!

إنجاز طبي غير مسبوق في تونس: استئصال ورم بالقلب بتقنية المنظار لأول مرة في المغرب العربي

ولأن التهجير القسري ليس مجرد إجراء تعسفي، بل جريمة موصوفة في القانون الدولي ترتقي إلى مستوى "التطهير العرقي" و"الإبادة الجماعية" كما نصت عليه اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 فقد قررت القمة الانتقال من مرحلة التنديد إلى الفعل القانوني الممنهج، ولذلك كان تكليف لجنة قانونية عربية لدراسة إمكانية تصنيف السياسات التي ينتهجها الكيان المغتصب ضمن هذا الإطار القانوني خطوة استراتيجية تهدف إلى نقل القضية إلى أروقة المحاكم الدولية، بما يضع الاحتلال تحت طائلة المساءلة، هذه الخطوة إن تم تفعيلها بجدية قد تمثل تحولا نوعيا في النهج العربي تجاه القضية الفلسطينية إذ لم يعد الاكتفاء بالمواقف السياسية كافيًا في مواجهة كيان ينتهك القانون الدولي دون رادع، بل أصبح من الضروري تبني آليات أكثر فاعلية تعيد الاعتبار للشرعية الدولية في هذا الصراع.

وإذا كان التهجير القسري هو رأس الحربة في مخططات الاحتلال، فإن سياسات العقاب الجماعي التي يمارسها تكمّل هذه الاستراتيجية حيث يعتمد الاحتلال على الحصار الاقتصادي ومنع وصول المساعدات الإنسانية والاستهداف الممنهج للبنية التحتية المدنية لخلق بيئة معيشية طاردة تدفع الفلسطينيين إلى الرحيل تحت ضغط الظروف القاسية.ط، غير أن هذه الأساليب لم تعد تمرّ دون مساءلة فقد أكدت القمة على ضرورة إلزام الاحتلال باحترام قرارات الشرعية الدولية خصوصا تلك التي تمنع تغيير التركيبة السكانية للأرض المحتلة، وهنا يظهر موقف عربي متماسك يعيد القضية الفلسطينية إلى إطارها القانوني الأصلي باعتبارها قضية احتلال يجب إنهاؤه وليس مجرد نزاع سياسي يمكن التفاوض حوله وفقا لشروط المحتل.

وفي سياق الانتقال من المواقف إلى الأفعال، برز اعتماد الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة كإحدى الخطوات العملية التي تُترجم الموقف العربي إلى فعل ملموس، هذه الخطة التي تم وضعها بالتنسيق مع دولة فلسطين والدول العربية لا تهدف فقط إلى إعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الغاشمة، بل تمثل رؤية استراتيجية متكاملة لإعادة تأهيل القطاع وفق مراحل مدروسة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الهندسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء، غير أن نجاح هذه الخطة كما هو الحال في معظم المبادرات العربية يظل رهينا بمدى توفر الإرادة السياسية اللازمة لتطبيقها ومدى قدرة الدول العربية على حشد الدعم الدولي اللازم لتنفيذها في ظل عراقيل متوقعة من الكيان المغتصب الذي لطالما سعى إلى إفشال أي مشروع يعزز صمود الفلسطينيين على أرضهم.

أما على الصعيد السياسي، فقد حملت القمة رسالة واضحة مفادها أن الاصطفاف العربي مع القضية الفلسطينية لا يزال قائما رغم كل التحديات، هذا ما عكسته ردود الفعل الفلسطينية حيث رحبت حركة حماس بانعقاد القمة معتبرة إياها خطوة متقدمة في دعم الموقف الفلسطيني عربيا وإسلاميا، غير أن هذا الترحيب لم يكن مجرد مجاملة سياسية، بل جاء في سياق تطلعات فلسطينية حقيقية لأن تشكل هذه القمة نقطة تحول في مستوى الدعم العربي خاصة وأنها جاءت في ظرف إقليمي ودولي شديد التعقيد حيث تتغير موازين القوى باستمرار مما يجعل من الضروري انتهاج سياسات عربية أكثر فاعلية في التعامل مع الملف الفلسطيني.

في المقابل، لم يكن موقف الاحتلال مفاجئا فقد جاء رافضا لأي خطة عربية تتعلق بغزة في انسجام تام مع نهجه القائم على فرض حلول أحادية الجانب دون أي اعتبار للشرعية الدولية أو للموقف العربي، هذا التعنت لم يكن جديدا لكنه يسلط الضوء على التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية وهو كيفية التعامل مع كيان يعتبر نفسه فوق القانون الدولي مستفيدا من دعم غير مشروط من قوى كبرى توفر له غطاء سياسيا يحول دون مساءلته وهنا تبرز الحاجة إلى البحث عن أدوات ضغط أكثر فاعلية سواء عبر المؤسسات الدولية أو من خلال تحالفات إقليمية ودولية تضع حدًا لحالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الاحتلال.

وعلى امتداد الصراع الفلسطيني-الصهيوني، شهدت القضية الفلسطينية العديد من اتفاقيات وقف إطلاق النار إلا أن معظمها لم يكن أكثر من محطات مؤقتة ضمن دورة الصراع المستمرة، فمن اتفاقيات الهدنة عام 1949 التي رسمت خطوط وقف إطلاق النار بين الاحتلال والدول العربية إلى اتفاقيات 2012 و2014 و2021 وصولا إلى ى هدنة غزة 2023 ظل الاحتلال يناور ويماطل مستغلا الهدن كفرص لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب صفوفه بدلا من أن تكون مقدمات لحل شامل وعادل.

أما في عام 2024، فقد برزت جهود مكثفة للتوصل إلى وقف إطلاق النار خاصة في قطاع غزة في ظل الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023، فالمقترح الأمريكي الذي طرحه جو بايدن في 31 ماي 2024 جاء كمحاولة لإعادة ضبط إيقاع الصراع عبر خطة من ثلاث مراحل تشمل وقفا تدريجيا لإطلاق النار ثم انسحابا جزئيا لقوات الاحتلال وأخيرا إعادة إعمار غزة، ورغم أن هذا المقترح تم تبنيه في قرار مجلس الأمن رقم 2735 إلا أنه سرعان ما اصطدم بعناد الاحتلال وإصراره على تحقيق "نصر كامل" على المقاومة مما يعكس استمراره في سياسة فرض الأمر الواقع.

وفي هذا المشهد المتشابك، تستمر الوساطة المصرية والقطرية في محاولة انتزاع اتفاق يوقف النزيف الإنساني في غزة رغم تعنت الاحتلال والخلافات الجوهرية بين الأطراف حول شروط وقف إطلاق النار، أما على الجبهة الشمالية فقد تم إقرار اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار بين الاحتلال ولبنان لكنه يظل هشا وقابلا للانفجار في أي لحظة في ظل التوتر المستمر مع حزب الله.

في المحصلة، نجحت القمة العربية الطارئة في تثبيت موقف عربي موحد إزاء خطورة التهجير القسري والعدوان الغاشم إلا أنها تبقى أمام اختبار حقيقي يتمثل في تحويل قراراتها إلى سياسات فعلية خاصة وأن الاحتلال لم يتوقف يوما عن التحايل على القرارات الدولية، فالتحدي الأكبر اليوم لا يكمن في إصدار قرارات قوية بل في القدرة على تنفيذها ضمن رؤية شاملة تضع الكيان الغاصب أمام مسؤولياته القانونية وتعزز قدرة الفلسطينيين على الصمود في وجه المخططات التي تستهدف وجودهم.

وبهذا، يبقى السؤال الجوهري هل تستطيع الدول العربية فرض إرادتها السياسية، أم ستظل قرارات القمم مجرد بيانات تضاف إلى أرشيف التاريخ بينما يواصل الاحتلال فرض وقائعه على الأرض؟

آخر الأخبار

العفو العام لسجناء النفقة: خطوة نحو تخفيف الأعباء المالية والإجتماعية

العفو العام لسجناء النفقة: خطوة نحو تخفيف الأعباء المالية والإجتماعية

السمنة في تونس: أزمة صحية متزايدة تهدد المستقبل، والخطط الوقائية ضرورية!

السمنة في تونس: أزمة صحية متزايدة تهدد المستقبل، والخطط الوقائية ضرورية!

تحذير من مخاطر قلي المواد الغنية بالنشويات خلال رمضان

تحذير من مخاطر قلي المواد الغنية بالنشويات خلال رمضان

وزير النقل يعلن عن خطة عاجلة لإنقاذ شركة الخطوط التونسية

وزير النقل يعلن عن خطة عاجلة لإنقاذ شركة الخطوط التونسية

الدينار التونسي يتصدر قائمة أقوى العملات الإفريقية لشهر فيفري 2025

الدينار التونسي يتصدر قائمة أقوى العملات الإفريقية لشهر فيفري 2025

Please publish modules in offcanvas position.