تبون يراهن على الاحتماء بصورة الرئيس التونسي النظيف وصاحب الشعبية حتى داخل الجزائر بسبب نجاحه في قلب منظومة فاسدة ومكروهة.
الجزائر- كثف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال الأيام الأخيرة من حديثه عن دعم تونس التي تعيش على وقع وضع انتقالي، في خطوة قال مراقبون جزائريون إنها لا تظهر اهتماما رسميا جزائريا بمساعدة تونس ورئيسها قيس سعيد بقدر ما تكشف عن سعي تبون للبحث عن متنفس لعزلته الإقليمية بعد القطيعة مع المغرب والتوتر الحاد مع فرنسا.
وقال المراقبون إن التغطية على هذه العزلة تدفع تبون إلى المبالغة في إظهار دعمه لتونس، موحيا بأن قيس سعيد يحتاجه في هذه الفترة، وأنه سيكون بمثابة نصير له، مع أن الوضع مختلف تماما، حيث نجح الرئيس التونسي في تأمين انتقال سريع وسلس وسط دعم شعبي كبير وتفهم خارجي، فيما يعيش تبون وضعا صعبا داخليا وخارجيا.
ويسعى قيس سعيد لتأسيس نظام جديد يقطع مع منظومة سياسية فاسدة ومتهالكة وضع أسسها الإسلاميون خلال السنوات العشر الأخيرة، والذين سعت الجزائر لاستقطابهم ودخلت في تحالف إقليمي داعم لهم في المنطقة من خلال تمتين علاقتها بتركيا وانحيازها إلى مجموعات وميليشيات تسيطر على الغرب الليبي وعلى العاصمة طرابلس.
في المقابل يعمل الرئيس الجزائري على إدامة أنفاس نظام متهالك سياسيا وشعبيا، ويعمل على تصدير أزمة هذا النظام إلى الخارج بافتعال الأزمات وتحميل الخارج مسؤولية العجز الداخلي كما حصل مع قضية الحرائق التي كشفت تقارير وشهادات محلية أنها ناجمة عن محدودية الإمكانيات، لكن النظام الجزائري رماها على جهات خارجية مستجيرا بنظرية المؤامرة كما كان يعمل خلال فترة الحرب الباردة.
ويراهن تبون على الاحتماء بصورة الرئيس التونسي النظيف وصاحب الشعبية حتى داخل الجزائر بسبب نجاحه في قلب منظومة فاسدة ومكروهة، وهو ما لم يفكر تبون مجرد التفكير في فعله، وعلى العكس فقد عمل على استعادة الوجوه القديمة للنظام، وخاصة من المؤسسة العسكرية، لأجل تقوية سلطته في مواجهة الغضب الشعبي.
وأعلن بيان للرئاسة الجزائرية الثلاثاء أن تبون أجرى مكالمة هاتفية مع قيس سعيد، هنأه فيها على تنصيب الحكومة الجديدة، وأعرب له عن “دعم الجزائر للشقيقة تونس” في كل الظروف التي تمر بها.
وذكر البيان بأن “تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات سيشكل محور أجندة الزيارة المرتقبة لتبون إلى تونس”، وهي الزيارة المبرمجة منذ عدة أشهر لكنها تأجلت لدواعي ظروف الجائحة كما يقول الإعلام الجزائري.
وكان تبون قد ذكر في تصريحات للإعلام المحلي أن “من يمسّ تونس يمسّ الجزائر، وأن الجزائر تقف إلى جانب تونس في مختلف الظروف، وأن زيارته المرتقبة ستكون بمعية نصف الطاقم الحكومي”.
وواضح من خلال هذا التركيز أن الأمر أكبر من نوايا دعم تونس وإلا لكان تبون فعل ذلك منذ البداية ودون كثير من الضجيج. وينظر التونسيون بلامبالاة لتصريحات تبون الأخيرة بسبب خبرتهم الطويلة مع الوعود الجزائرية، التي لم يتحقق منها أيّ شيء.
ويوحى كلام تبون بأن الجزائر باتت تولي أهمية للعلاقة مع جارتها الشرقية، لأنها تمثل المنفذ الوحيد المتبقي لها، في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية وحتى الدبلوماسية التي تعيشها دول الجوار، ففي ظل القطيعة الدبلوماسية مع المغرب، والوضع المتدهور في كل من مالي والنيجر، فضلا عن التوتر المستمر في ليبيا، لم يبق أمامها إلا البوابة الموريتانية وتونس.
ورغم التوجه الجزائري لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع موريتانيا على أمل أن تكون بوابة للانفتاح على أفريقيا الغربية، إلا أن طبيعة العلاقات الثنائية مع تونس والأهمية الجغرافية والاستراتيجية لها تُمْليان على الجزائر تعزيز التعاون معها لكسر عزلة دبلوماسية ركّبتها جملة من الظروف والمعطيات المحيطة بالمنطقة.
ويبدو أن الجزائر التي فقدت أواصر الثقة في محيطها الجغرافي تريد إعطاء المزيد من الحرص للجزء المتبقي من عمقها الاستراتيجي في المنطقة تحسبا لأيّ تحولات خاصة ما قد تفرزه الانتخابات الليبية من تغييرات لا تكون في صالح الإسلاميين الذين تراهن عليهم الجزائر وتدعمهم في السر والعلن.
كما أن متابعين للشأن المغاربي يقولون إن الجزائر لم تتحمس في البداية لما قام به قيس سعيد من إجراءات في الخامس والعشرين من يوليو، وهو ما كشف عنه الإعلام الجزائري من خلال تصنيف قيس سعيد في المحور الإقليمي المناهض للجزائر قبل أن يتم التراجع عن ذلك بعد أزمات الجزائر مع المغرب وفرنسا.
ويبدو أن الجزائر التي انزعجت من الخطوة المفاجئة التي قام بها قيس سعيد دون العودة إلى الرأي الجزائري إلا بعد ما تم ترسيم الواقع الجديد في تونس، وكانت تحرص في الزيارات المتعددة لوزير الخارجية رمطان لعمامرة على الحفاظ على التوازنات الداخلية بما فيها موقع حركة النهضة ودورها في المشهد التونسي، تتجه إلى غسل يديها من إرث علاقة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بالنظام السياسي في الجزائر، خاصة نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وتذكر مصادر جزائرية في هذا الشأن بأن السلطات في الجزائر رفضت في وقت سابق زيارة الغنوشي لأسباب غير معلنة، لكنها تصبّ في مسعى كسب ثقة قيس سعيد.
وكان الرئيس التونسي الرئيس الوحيد الذي زار الجزائر منذ انتخاب تبون، وأعرب الرئيسان حينها عن طموحاتهما لإعطاء مقاربة جديدة لمستقبل العلاقات الجزائرية – التونسية، وهو ما تجلى في الحرص على تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي لمحاربة المجموعات الجهادية الناشطة على الشريط الحدودي، فضلا عن بلورة موقف مشترك تجاه الأزمة الليبية.