مع تراجع الدولة الحفصية، وتنامي الأطماع الخارجية خاصة الإسبانية للاستلاء على تونس واحتلالها، وجّهت الدولة العلية أساطيلها البحرية لإنقاذ البلاد من الإسبان وإعادتها إلى حضن الإسلام، فحكموا البلاد عن طريق البشوات ثم الدايات فالبايات.
أولى الفتوحات العثمانية
بداية توجّه العثمانيين إلى تونس كانت سنة 1533، حيث فتحها البحار خير الدين بربوس في تلك السنة، بأمر من الخليفة العثماني سليمان البحار، وحرّرها من ملكها حسن الحفصي، الذي تحالف مع الدول الأوروبية، وعيّن مكانه أخاه الحسن بن محمد على تونس، معلنا ضمها للدولة العثمانية.
غير أن الحكم العثماني في ذلك الحين لم يدم أكثر من سنتين، فقد عمدت إسبانيا على غزو تونس عام 1535، واحتلال ميناء حلق الواد، وبقيت المهدية عند العثمانيين، وأعاد الإسبان تنصيب حليفهم حسن الحفصي بايا على تونس، على أن يكون حليفهم ومساعدا لفرسان القديس يوحنا بطرابلس، وأن يقوم بمعاداة العثمانيين وأن يتحمل نفقات ألفي أسباني على الأقل يتركون كحامية في قلعة حلق الواد.
لم تمضي سنة واحدة حتّى أمر السلطان سليمان القانوني وزيره سنان باشا بالتوجه إلى تونس وفتحها
في سنة 1573، عادت الإسبان مجددا إلى تونس بعد أن استدعاهم السلطان الحفصي أبي العباس الثاني، ونزلوا بقلعة حلق الواد، واحتلوا مدينة تونس، ما دفع الحاكم العثماني حيدر باشا إلى الانسحاب إلى مدينة القيروان وسط البلاد.
لم تمضي سنة واحدة حتّى أمر السلطان سليمان القانوني وزيره سنان باشا بالتوجه إلى تونس وفتحها، فكان لهم ذلك بمساعدة قوة من الجزائر بقيادة رمضان باشا وأخرى من طرابلس بقيادة مصطفى باشا ومتطوعون من مصر فضلا عن مقاتلين من تونس جاؤوا إلى جانب حيدر باشا.
"باشوات" فـ "دايات" فـ "بايات"
حكم العثمانيون تونس في البداية عن طريق الباشوات يعينهم مباشرة السلطان العثماني على رأس الإيالة لمدة 3 سنوات، وقد أسندت إليه مهمة دفع رواتب الجنود الإنكشارية وإدارة شؤون البلاد ويتم تسخير للباشا مستشارين ومنزلا مدنيا.
وتواصل الأمر إلى غاية سنة 1591، ليصبح الحكم بعد ذلك عن طريق الدايات الإنكشاريين، حيث نفّذ الدايات (القائمين على الجيش الإنكشاري) انقلابا عسكريا ضدّ الباشا وأعضاء الديوان وافتكوا منهم الحكم، وفشل الدايات في فرض حكمهم العسكري الجماعي، وكان عثمان داي هو أوّل داي ينفرد بالحكم، حيث نجح في السيطرة على البلاد ونشر الأمن والازدهار، شجّع القرصنة ضد المسيحيين الأوروبيين وجمع منها أموالا طائلة، وشجّع توافد الأندلسيين إلى أفريقية.
بمرور الوقت ضعف أمر الدايات في الحكم العثماني، فتحوّل الحكم إلى البايات (مكلف بجمع الضرائب وإخضاع القبائل المتمردة)، وأولهم مراد باي عام (1022هـ/1613م) الذي يعد مؤسس أسرة البايات المرادية، استطاع البايات فرض نفوذهم في كامل البلاد بفضل عائدات الجباية وانفتاحهم على أعيان التجمعات الداخلية وتحالفهم مع القبائل.
سنة 1705، تمكن حسين بن علي تركي إثر مقتل إبراهيم الشريف أخر بايات تونس، من حكم البلاد (قائد في فرقة الخيالة في الجيش التركي) وتأسيس الأسرة الحسينية التي حكمت تونس حتى عام 1957ميلاديًا وانتهت بقيام الجمهورية التونسية، غير أن انتهاء تبعية تونس للباب العالي كانت سنة 1881 مع بداية الاحتلال الفرنسي للبلاد.
في الفترة الحسينية أبطل الرق في تونس وتمّ التشجيع على التعليم واحلال اللغة العربية بدلًا من التركية وانشاء مدرسة حربية عصرية وإصدار الجريدة الرسمية وأول دستور في العالم العربي، وأصبحت تونس حينها ملكية دستورية.
علاقتها بالسلطة المركزية
في فترة حكم العثمانيين، كانت تونس عبارة عن ولاية أو إيالة شأنها في ذلك شأن بقية الولايات العربيّة الأخرى والتي تحولت فيما بعد لتصبح دولا مستقلّة، حيث كانت تونس مرتبطة بالسلطة المركزية في اسطنبول والسلطان العثماني.
من أهمّ الجوامع التي تمّ بناؤها في تلك الفترة جامع القصبة وجامع القصر
يقول مؤرخون إن تابعية تونس للإمبراطورية العثمانية كانت قائمة على مجموعة من العناصر، وتتمثل بعضها في أن يتولّى الوالي في تونس الحُكم بعد استلام خطاب الولاية على البلاد بواسطة مبعوث خاص يُرسل من تُونس إلى الآستانة، وتتمّ قراءة الخطبة باسم السّلطان العثماني والدّعاء له في المنابر، وضرب السّكة باسم السّلطان، وإرسال المساعدات الماليّة والعسكرية من عتاد ورجال في وقت الحروب، وإرسال ضريبة بشكل غير منتظم كانت تسمّى هديّة، وقد كانت هذه الضريبة تزيد أو تنقص حسب حالة البلاد الاقتصاديّة.
ازدهار عمراني
خلال فترة حكمهم لتونس، اهتم العثمانيون بتطوير البلاد، وادخال الاصلاحات خاصة في الجانب العسكري والزراعي والسياسي والتعليمي، وذلك لإخراجها من الأزمة التي كانت عليها نتيجة حكم أخر حكام الحفصيين الذين تحالفوا مع الدول الأوروبية ضد أهالي تونس. فشهدت البلاد في تلك الفترة ازدهارًا واسعًا بفضل مداخيل الجهاد البحري وحلول الأندلسيين المطرودين من إسبانيا الذين أدخلوا حيوية لقطاع الفلاحة ولصناعات النسيج.
فضلا عن ذلك، اهتم العثمانيون بفن العمارة، فقد قام الحكام ببناء العديد من المعالم العمرانية على شاكلة المباني العثمانية في تركيا وباقي الإيالات التابعة للدولة العلية، خاصة المساجد التي بقيت شاهدة إلى اليوم عن مدى تأثير تلك التجربة على تاريخ تونس.
من أهمّ الجوامع التي تمّ بناؤها في تلك الفترة جامع القصبة وجامع القصر وجامع يوسف داي وجامع حمودة باشا وجامع محمد باي (جامع سيدي محرز) وجامع يوسف صاحب الطابع والجامع الجديد الذي بناه مؤسس الدولة الحسينية الحسين بن علي، وجميعها يتّبع المذهب الحنفي عكس المذهب المنتشر في البلاد وهو المذهب المالكي.
وتتميز هذه الجوامع بمآذنها الثمانيّة وحسب المختصين فإن الشكل الثماني ظهر نتيجة دمج النوع التونسي (مآذن مربّعة) والنوع التركي (مآذن اسطوانية)، ويمكن مشاهدة المآذن الثمانيّة في جامع حمودة باشا وجامع يوسف داي الذي يسميه البعض جامع البشامقية، وكلاهما في المدينة العتيقة لتونس.