هناك عبث لا يليق بتونس يمارسه السياسيون وهم يسعون إلى سد الفراغ الذي خلقه غياب الدولة.
حركة النهضة وحزب نداء تونس يتصارعان في ما بينهما ولا مصلحة للشعب التونسي في صراعهما الذي تعددت وسائله من غير أن تتضح أسبابه. ليست البرامج ما يختلفان عليه بل المناصب. أهذا ما يختلفان عليه؟
هناك خطأ في مكان ما. لقد مرت كذبة “الشعب يريد إسقاط النظام” فسقطت الدولة من خلال عجزها عن إدارة شؤونها وتصريف شؤون المواطنين في ظل شعور بأن الأمن لا يمكن استرجاعه. لا يمكن تخيل أن النظام السابق قد هرب بفكرة الأمن، فلم يعد أحد من بعده قادرا على جلبها ورعايتها والإشراف عليها كونها دعامة لوجوده. لا أحد من السياسيين التونسيين يفكر في ذلك الأمر الخطير. لا لشيء إلا لأنهم لا ينظرون إلى المستقبل بعين مطمئنة.
سياسيو تونس مختلفون في ما بينهم لأسباب لا يعرفها الشعب. وهي حالة غير مسبوقة بالنسبة للشعب التونسي الذي تعرف على البورقيبية باعتبارها خيارا وحيدا. أما حين تم الانقلاب على الحبيب بورقيبة وعزله، فإن المجتمع المدني الذي أرسى الرجل قواعده ظل وفيا لمبادئه.
تبدل النظام غير أن المجتمع لم يتبدل. اليوم يبدو المشهد السياسي كما لو أنه رُتّب ليُزال. فض الباجي قائد السبسي، وهو رئيس الجمهورية وزعيم حزب نداء تونس، شراكته مع حركة النهضة كما لو أن تلك الشراكة كانت مطلوبة لأسباب وطنية.
السبسي نفسه الذي يفترض أنه يفكر بورقيبيا لا يمكنه أن يثق بحركة النهضة التي سبق لها أن حاولت أن تلحق تونس بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، مستعينة بتمويل الدولة الراعية لذلك التنظيم. لذلك يمكن التساؤل عن معنى فض الشراكة التي لا معنى لها.
ما يزعج النظام السياسي المضطرب في تونس أن الشعب لا يزال ممعنا في حديثه عن ثورة، يُفترض أنها حدثت وقد طويت صفحاتها
هناك عبث لا يليق بتونس يمارسه السياسيون وهم يسعون إلى سد الفراغ الذي خلقه غياب الدولة. التونسيون يديرون أمورهم اليوم كما لو أن الدولة لا تزال موجودة. الماكنة لا تزال تعمل، لكن الكسل يبدو واضحا في الكثير من التفاصيل اليومية.
ما صار الشعب التونسي على بينة منه هو أنه كان ضحية مكيدة. لقد تم وضعه في مكان ليس له. يشك الكثير من التونسيين في حقيقة ما جرى. فالشعب التونسي لم يُسقط النظام. النظام أسقطته قوى محلية أخرى. وليس من الصعب التكهن بما كان يدور في الكواليس، هناك حيث تمت التضحية بنظام زين العابدين بن علي مقابل أن يحتل الإسلام السياسي مكانا شاغرا لم يهتد إليه أحد من قبل.
لقد قاوم المجتمع التونسي أسلمة الدولة وهو مشروع حركة النهضة. غير أن تلك المقاومة لم تجد ما يسندها داخل أروقة الحكم إلا بطريقة حيية. فحزب نداء تونس موزع الولاءات ويمكن للكثيرين من أعضائه أن يذهبوا إلى البيت من غير أن يتركوا أثرا يُذكر بهم.
ذلك ما وهب حركة النهضة شحنات حياة مضافة. وهو ما يمكن أن يعدّ مؤشرا على فشل الثورة. ولكن قوى الثورة اختفت. وهو أمر يمكنه أن يحيط تلك القوى بالشك. يمكننا أن نجزم أنها قوى حقيقية، غير أنها ليست فاعلة لذلك لم تكن مؤثرة في صناعة المشهد السياسي. سياسيو تونس مختلفون لأن ثمة شعبا ليس على القياس، شعبا ينتظر. ثورته ذهبت إلى فراغ وهو لا يزال يفكك مفردات الانتحار الديمقراطي.
الأغلبية في تونس تعتقد أن القادم سيكون أسوأ. هناك أقلية انتهازية ووصولية تراهن على غد أفضل، هو اليوم الذي يبرهن الشعب على أنه لم يكن مؤهلا على الإطلاق لإحداث تغيير في الحكومة. أما إسقاط نظام سياسي فإنها فكرة قد أُلصقت به وهو بريء منها.
ما يزعج النظام السياسي المضطرب في تونس أن الشعب لا يزال ممعنا في حديثه عن ثورة، يُفترض أنها حدثت وقد طويت صفحاتها. لقد صدقنا الكذبة وسقط نظام بن علي فهل صار علينا أن نستمر في اللعبة إلى ما لا نهاية؟
فاروق يوسف / كاتب عراقي