التنظيم المتشدد يراهن على الخلافة الافتراضية على النت بعد أن خسرها على أرض الواقع ويعمل على تجنيد مقاتلين من جميع الجنسيات والأعمار الكترونيا.
كانت آخر عملية تبنّاها تنظيم داعش تلك التي حدثت بجنوب غرب فرنسا بتاريخ 23 أغسطس 2018، حيث قام شخص بطعن أمه وأخته وشخصا آخر، إذ اعتبره التنظيم كجندي في وقت صنّفته السلطات الفرنسية كفاقد للأهلية العقلية والذي “كان معروفا بكونه مدافعا عن الإرهاب”، ويستغرب متابعون السر في تغيير التنظيم أسلوبه الذي اعتمد فيه على الوحشية التامة في التعامل مع ضحاياه إلى تجنيد هذه النوعية من الأشخاص المصابين بإعاقات نفسية.
ولفهم هذه الظاهرة أكثر يرى جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في حوار خاص مع “العرب”، أن تنظيم داعش بدأ يعمل منذ سنوات بدول أوروبية على استهداف الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية وضغوطات في العمل والمجتمع ومشاكل عائلية، بين عامي 2014 و2015 عندما كان لهذا التنظيم أنشطة واسعة خاصة في أوروبا، وقد أطلقت على هذا الموضوع “الجهاد الاكتئابي”، حيث لا حظنا أنه في بعض العمليات التي تتم في بعض الدول الأوروبية وهم من يعانون تلك الضغوطات النفسية.
لكن بالنسبة لما وقع جنوب غرب فرنسا فقد جير تنظيم داعش هذه العملية، ما يعني أن التنظيم فقد مصداقيته بمعية وكالته “أعماق”، كون التنظيم بدأ يتبنّى عمليات ربما تنفذ من وحي هذا التنظيم ومن أشخاص غير مرتبطين به أو ربما بعض الأشخاص قاموا بتنفيذ العمليات لأغراض قد تكون انتقامية أو جنائية غير مرتبطة بالتنظيم فنجد مثل هذه العمليات.
وأوضح جاسم محمد أن ما قام به التنظيم كان تكتيكا مقصودا بمحاولة تجيير مثل هذه العمليات في سبيل إثبات حضورهم الجهادي خاصة بدول أوروبا أمام تراجعه، فأجهزة الاستخبارات انتزعت المبادرة من هذا التنظيم، إذ لاحظنا في السنتين الأخيرتين أنه لم تكن هناك عملية نوعية بأوروبا. وأن العمليات التي تم القيام بها اقتصرت على الدهس والطعن وهي عمليات محدودة يستفيد منها التنظيم في الحصول على التغطية الإعلامية مما يساعده على الاستقطاب أكثر.
وتزامنت عملية جنوب غرب فرنسا مع رسالة البغدادي الذي دعا من خلالها أنصاره إلى الصبر وتطوير أساليب الانتشار والاستهداف، اعتبرها البعض صدفة في حين أكد مراقبون أن الأمر مرتب بدقة، ما يعني أن البغدادي لازال له تأثير على أنصاره وخروجه في هذا التوقيت جاء لإثبات وجوده الفيزيولوجي والتنظيمي.
لكن رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، لا يجد أنه هناك علاقة معتقدا أنها محض صدفة كون تنظيم داعش فقد علاقة القيادة مع القاعدة من خلال معلومات مؤكدة حصلنا عليها من أجهزة استخباراتية وخاصة في العراق، إذ لا توجد هناك اتصالات من خلال محتجزين وأسرى لدى الحكومة العراقية اعترفوا أنه لا توجد اتصالات بين القيادة والقاعدة، ما يعني أن زعيم التنظيم البغدادي لم يعد له تأثير، وسيناريو الظواهري والقاعدة بدأ يتكرر مع داعش، هذا الأخير الذي بدأ يتحوّل إلى ظاهرة صوتية في إطلاق هذه الرسائل.
نحن لا نحتاج إلى حرب جديدة ضد التنظيم بل نحتاج إلى محاربة التطرف أينما كان دون الارتهان إلى جغرافيا محددة
وأضاف جاسم محمد، أنه لا توجد علاقة بين كلمة البغدادي وتنفيذ مثل هذه العمليات والتنظيم فقد هذا الوهج، فهو في السابق كان يحصل على التمويل والمصادر البشرية في التجنيد كونه يروّج إلى عمليات عسكرية ورهائن فيكسب قلوب وعقول بعض هؤلاء الأنصار، لكنه الآن إلى ماذا يروّج هذا التنظيم؟ فلم تعد له عمليات نوعية ولهذا لا يوجد تأثير للبغدادي.
ويمكن القول إن داعش استبدل مساحة الأراضي التي لم يعد يسيطر عليها في الشام والعراق باستغلال مساحة الفضاء الافتراضي لتجنيد مقاتلين من جميع الجنسيات والأعمار، بالتالي ما الخطورة التي يشكلها هذا التطور في تشكيل جنود التنظيم؟ يرى رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن التنظيم بعدما خسر ما يسمى بالخلافة على الأرض بدأ يراهن على الخلافة الافتراضية على النت.
وأضاف جاسم أن حتى المواقع على الإنترنيت هناك إحصائيات وتقارير تؤكد أن التنظيم تراجع كثيرا في مسألة الحضور على مواقع التواصل الاجتماعي، فهو يراهن على هذه الدعاية في سبيل تعويض النقص الذي حصل على الأرض، واستدرك محمد جاسم أنه حتى مع هذه الدعاية هنالك إجراءات وسياسات خاصة أطلقت من قبل المفوضية الأوروبية لمواجهة الدعاية المتطرفة لداعش بحذف المحتويات التي تدعو إلى تمدّد التنظيم.
حذف الصور والأخبار الكاذبة جعل التنظيم يتراجع على جميع المستويات، بما في ذلك الجانب الدعائي.
كان هناك تركيز من طرف التنظيم على استقطاب وتجنيد عرب مسلمين منحدرين من شمال أفريقيا وينتمون بالجنسية إلى دول أوروبا، خصوصا في الدول الواقعة على الضفة الجنوبية مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، كما اهتم التنظيم يهتم أيضا بألمانيا والسويد، واعتبر جاسم أن الجغرافيا والأصول الديموغرافية لعبتا دورا كبيرا في موضوع التطرف، لذلك أجد أنه بالنسبة لليبيا استقطبت أشخاص ومقاتلين من دول شمال أفريقيا وكذلك من غرب أفريقيا.
خدمت الجغرافيا هذه التنظيمات المتطرفة، فالتضاريس والتواصل والجغرافيا الجامعة بين هذه الدول من صحراء وجبال أضحت ملاذات آمنة لها، منها ليبيا التي كانت حاضنة لداعش، فالتنظيم يراهن على هذه الجماعات كونها كانت تمثل عنصرا أساسيا نوعا وكمّا، ولذلك فتنفيذ هذه العمليات يعتمد على مدى حصول هذا التنظيم على خلايا في هذه الدولة الأوروبية أو تلك على سبيل المثال في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا كون العامل الديموغرافي لأصول المقاتلين يساعد التنظيم في الانتشار.
ولفت محمد جاسم إلى أن مصادر التمويل هو عصب الجماعات المتطرفة ومنها داعش، هناك معادلة معكوسة فعندما تكون هناك عمليات نوعية من طرف التنظيم فهو يحصل على التمويل وهناك متبرعون وهناك أطراف إقليمية ودولية تساهم في تمويل التنظيمات الجهادية، وعندما يقلّ التمويل تختفي العمليات النوعية، ويمكن القول إن داعش والجماعات المتطرّفة خسرت الاثنين، التمويل والعمليات النوعية إذ فقدت القدرة على تنفيذها حتى بالعراق لا توجد أي عمليات نوعية، كما أشار إلى أن داعش حاليا لا توجد لديه مصادر تمويل، وحتى الأموال التي كان يحصل عليها يقع ضمن ما تتصرف به الحلقة المغلقة للتنظيم وليس إلى التنظيم بشكل عام، وهذا ينسحب أيضا على تنظيم القاعدة والذي يعيش صراعات الفروع مع التنظيم المركزي.
محمد بن امحمد العلوي / صحافي مغربي