مراقبون يرون أن حركة النهضة ستحاول رفقة ائتلاف الكرامة تشكيل تحالف سياسي خارج البرلمان ليؤسس مشاريع أيديولوجية تتعارض وأسس الديمقراطية التقدمية.
أنهت تونس مسار الانتخابات البرلمانية في ثاني انتخابات تشريعية جرت بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، لكنها فتحت باب التفاوض والتطاحن بين الأحزاب السياسية في ما يخص تشكيل حكومة جديدة بسبب عدم حصول أي حزب على الأغلبية البرلمانية، وهو ما جعل حركة النهضة الإسلامية، الحزب الأول في الانتخابات تطلق دعوات للتحالف معها قُبلت من بعض الأحزاب وفق شروط.
تونس- أثبتت التقديرات الأولية لنتائج الانتخابات البرلمانية في تونس التي أعلنتها مؤسسات سبر الآراء، أن الحكومة التونسية القادمة لن تكون ائتلافية بسبب تشتت أصوات الناخبين وعدم تحصيل أي حزب سياسي أغلبية برلمانية تؤهله لتشكيل حكومة بمفرده، وأجبرت النهضة في ظل هذا التشتت في الأصوات على استجداء الأحزاب التي تباينت مواقفها بين رافض لها وطارح لشروط عديدة لقبول التحالف معها.
وبيّنت تقديرات أولية لمؤسسات استطلاع الرأي التي نشرت نتائج اتجاهات التصويت بعد الخروج من مكاتب الاقتراع؛ أن حركة النهضة الإسلامية حلت في المرتبة الأولى في حين حلّ حزب “قلب تونس” في المرتبة الثانية فيما حل حزب التيار الديمقراطي في المرتبة الثالثة ويليه ائتلاف الكرامة ذي التوجه الإسلامي علما وأن عمليات فرز أصوات الناخبين في مراكز الاقتراع لا تزال متواصلة.
وستعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأربعاء عن النتائج الرسمية الأولية للانتخابات التشريعية وعن فتح باب الطعون فيها، علما وأن نسبة المشاركة في استحقاق الانتخابات التشريعية قد بلغت حد 41 بالمئة.
وأمام فشلها في الحصول على نسبة تصويت عامة تمنحها أغلبية برلمانية، أطلقت النهضة نداءات إلى الأحزاب لمشاركتها في الحكم معلنة عدم وجود أي نية لديها للتحالف مع حزب قلب تونس الذي حل في المرتبة الثانية في نتائج الانتخابات البرلمانية.
ويتطلب تشكيل الأغلبية البرلمانية في تونس تحصيل كتلة نيابية بـ109 نواب لتقدر على تشكيل حكومة تمنح ثقة البرلمان بنسبة 50 زائد 1.
وفي حين أعلنت حركة الشعب وحزب قلب تونس وحزب الدستوري الحر رفضها مشاركة النهضة في الحكم، اشترط حزب التيار الديمقراطي منحه ثلاث حقائب وزارية لقبول التحالف معها في الحكومة.
وتعهّد حزب التيار الديمقراطي بالمشاركة في الحكم مع حركة النهضة الإسلامية في ائتلاف حكومي في حال منحته حقائب الداخلية والعدل والإصلاح الإداري ومكافحة الفساد.
وقال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي والمتحدث باسمه، غازي الشواشي، لـ”العرب” إن الحزب مستعد للمشاركة في حكومة تشارك فيها حركة النهضة في حال سحب وزارات الداخلية والعدل والإصلاح الإداري منها مقابل منحها لحزبه.
ويرى حزب التيار الديمقراطي أن “النهضة لا ترغب في محاربة الفساد وفي إصلاح أوضاع البلاد وإخراجها من أزمتها وهو ما تبين طيلة الثماني سنوات التي تزعمت فيها الحكم، لاسيما وأنها ترأست وزارات الداخلية والعدل ورئاسة الحكومة”.
وأكد غازي الشواشي أن حزب التيار الديمقراطي طالب بتعيين رئيس حكومة مستقل ولا ينتمي إلى أي حزب سياسي يعمل طبقا لخارطة طريق تضبطها الأحزاب السياسية الداعمة للحكومة كشرط أساسي للدخول في تحالف حكومي مع النهضة.
وسيكون حزب التيار الديمقراطي في صف الأحزاب السياسية المعارضة للنهضة كأكبر حزب ممثل في الحكومة في حال عدم القبول بمطالبه وعدم ابتعادها عن حقائب الداخلية والعدل والإصلاح الإداري.
وأرجع الشواشي سبب مطالبة حزب التيار الديمقراطي بمنحه الحقائب الوزارية الثلاث إلى عدم ثقته في النهضة ولا في غيرها من الأحزاب السياسية في ترؤّس هذه الوزارات، وإلى اعتبار أن محاربة الفساد وإصلاح كل القطاعات الاقتصادية في تونس هما من أولويات المرحلة القادمة ويستوجبان كفاءات على رأس الوزارات المعنية بها.
ووفق الشواشي، تعتبر حركة النهضة في ورطة سياسية كبرى نظرا لرفض الأحزاب مشاركتها في الحكم رغم حلولها في المرتبة الأولى في نتائج انتخابات البرلمان.
وأمام التشتت السياسي والتباعد في المواقف بين الأحزاب المتصدرة لنتائج الاستحقاق الانتخابي التشريعي، برزت مخاوف كثيرة من الفشل في تشكيل حكومة ائتلافية في مدة شهرين وحل البرلمان واللجوء إلى إجراء انتخابات برلمانية ثانية.
و اقترح غازي الشواشي تشكيل حكومة إنقاذ وطني إذا لم تقدر النهضة على تشكيل حكومة وازنة حاملة لمشروع للخروج من الأزمة ومن ورطة التشتت السياسي ولتجنب فرضية حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
أمام فشلها في الحصول على نسبة تصويت عامة تمنحها أغلبية برلمانية، أطلقت النهضة نداءات إلى الأحزاب لمشاركتها في الحكم معلنة عدم وجود أي نية لديها للتحالف مع حزب قلب تونس
وقال إنه يدعو إلى تكوين حكومة إنقاذ وطني متكونة من شخصيات مستقلة غير متحزبة ويكون برنامجها في شكل خارطة طريق تحددها الأحزاب التي ستدعم الحكومة وتطبق برامج الأحزاب التي صوت لها الناخبون لمدة سنتين لإخراج البلاد من المستنقع السياسي الذي وقعت فيه، مضيفا “إذا لم تنجح حكومة الإنقاذ الوطني يتم حل البرلمان بعد سنتين ونصف السنة أفضل من حله بعد الانتخابات مباشرة”.
وبعد صعود حركة النهضة الإسلامية وائتلاف الكرامة الذي رشح إسلاميين للبرلمان، تفاقمت المخاوف من المسّ من مدنية الدولة وتطبيق برامج تتعارض ونص الدستور التونسي. ويرى مراقبون أن النهضة ستحاول رفقة ائتلاف الكرامة تشكيل تحالف سياسي خارج البرلمان ليؤسس مشاريع أيديولوجية تتعارض وأسس الديمقراطية التقدمية.
وفي هذا الشأن، قال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي “إن تونس دولة مدنية تحكمها مبادئ وأحكام دستورية مدنية ولا مجال لحكم الإسلام السياسي فيها”.
ويعارض حزب التيار أي توجه ديني أو تأسيس حكومة ذات توجه ديني، حسب الشواشي الذي اعتبر أن النهضة وقعت في ورطة سياسية بتقرب أنصار الإسلام السياسي لها من جديد والحال أنها تبحث عن بديل.
ولاحظ محدثنا أن تيار الإسلام السياسي لم يحقق أغلبية برلمانية في السلطة التشريعية ولن يقدر على فرض سياساته وخياراته اليمينية باعتبار أن الأحزاب المدنية الديمقراطية هي التي تمتلك أغلبية برلمانية رغم تشتتها.
بسام حمدي
صحافي تونسي