اختر لغتك

الخطاب والخطابة واللغة وخصوصيات الخطاب الاعلامي اليوم

الخطاب والخطابة واللغة وخصوصيات الخطاب الاعلامي اليوم

يعتبر فن الخطابة شرط من شروط الحكم في الماضي وقد أصبح  الآن الخطاب الإعلامي ومناوراته من أخطر أسلحة السلطة في العصر الحديث كما أن التغيرات السياسية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة أدّت إلى ما يمكن تسميته بظاهرة "الانفجار اللغوي".
 
اليوم أصبحت الشعوب تعمل على إحياء لغاتها المندثرة أو المحرّمة كلغة "كاتالان" في إسبانيا ولغة أهل ويلز وإحياء التحدّث بلهجة "مندرين" الصينية في سنغافورة بعد أن سادتها الانقليزية كما أن للغة أهمية كبرى في المجال التكنولوجي إذ لا تنبع فقط من علاقة اللغة بتكنولوجيا الطباعة والاتصالات والبرمجيات بل أيضا من الدور الخطير الذي تلعبه اللغة حاليا في تثوير هندسة الكمبيوتر إلى درجة اعتبار الأجيال الجديدة للحواسيب لغوية في المقام الأول باعتبار أن الهدف منها هو كسر حاجز العزلة اللغوية التي تعاني منها اليابان مثلا في تنافسها الشديد مع التقدّم الهائل للولايات المتحدة في السيطرة على سوق البرمجيات العالمي وذلك نظرا لشيوع الانقليزية وبساطتها وانغلاق اللغة اليابانية وصعوبتها وأملا منها في السيطرة على هذه السوق العالمية التي يعدّ فيها تعامل تكنولوجيا المعلومات مع لغات العالم المتعدّدة عاملا حاسما في تحقيق هذه السيطرة. 
 
ويعتبر فن الخطابة تاريخيا شرطا من شروط الحكم ليضحى اليوم الخطاب الإعلامي ومناوراته اللغوية من أخطر أسلحة السلطة في العصر الحديث مشيرا إلى دور البرمجيات العالمي في تقدّم الولايات المتحدة اقتصاديا في تنافسها ذي الصلة مع اليابان مبرزة الدور الخطير الذي تلعبه اللغة حاليا في تثوير هندسة الكومبيتور بما يكسّر حاجز العزلة اللغوية.
 
ومن البديهي الاشارة إلى أن الإنسانيّة عرفت في مختلف مراحلها التاريخيّة نزاعات حضاريّة شتّى تراوحت شدّة وعنفا حسب العصور والأطراف المتنازعة ولم نعرف طوال الألفيّات الأخيرة أيّ نزاع وأيّ تنافس دون لسان غالب أو سائد ودون لسان مغلوب أو منهوك وليست العصور الحديثة بخارجة عن هذا القانون، فالألسنة العالميّة السائدة اليوم هي الألسنة الوارثة لإمبراطوريات كبيرة أو حضارات قويّة أو المتمتّعة بالقوّة الاقتصاديّة أو العسكريّة أو الثقافيّة فلا غرو أن تكون الألسنة السائدة كمّا وكيفا هي الأنقليزيّة والصينيّة والإسبانيّة والفرنسيّة والروسيّة والعربيّة ولكنّ هذه الألسن الكبرى لا تتمتّع بنفس الحظوظ الاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة.
 
ونؤكّد في الختام أنه في بلادنا نعيش في خضمّ مشاكلنا الاقتصاديّة والسياسيّة و نبحث عن حلول سريعة وناجعة لها  دون وعي كاف في الكثير من الأحيان أنّ هذه الحلول  تمليها أطراف غير غريبة عن أزماتنا الاقتصاديّة والثقافيّة والاجتماعيّة وأنّها حلول متى استسلمنا تماما لها فإنّها لا تؤدّي بنا إلا إلى التبعيّة الكاملة ولعلّ أخطر ما نواجهه في هذا الشأن أنّ وعي المثقّفين والطبقة السياسيّة الاقتصاديّة بأهمّيّة اللغة الوطنيّة يكاد يكون منعدما إن لم يتّصف في الكثير من الأحيان بالمعاداة وذلك يرجع أساسا إلى ضعف ثقافتهم التاريخيّة وتمكنهم من لغتهم الأم كذلك غلبة التوجهات السلفيّة والتحديثيّة عليها،فكما ينطوي السلفيّون على مفهوم فاسد للهويّة يتبنّى الكثير من الحداثيّين الاستراتيجيّات اللغويّة والثقافيّة التي يسطّرها الاستعمار الجديد القائم على مفهوم العولمة والتكنولوجيا ومجتمع المعلومات دون وعي كامل أنّ الغلبة الاقتصاديّة تؤدّي حتما إلى غلبة لغويّة وأنّ العكس صحيح أيضا.
 
 
* الكاتبة الاستاذة آمال الزريبي حشانة باحثة في اللسانيات والترجمة وهي حاليا المديرة العامة لوكالة إحياء التّراث والتّنمية الثقافية بوزارة الشؤون الثقافية
 

آخر الأخبار

أزمة احتكار السلع وارتفاع الأسعار في تونس بين غياب الرقابة الجادة وضرر المواطن

أزمة احتكار السلع وارتفاع الأسعار في تونس بين غياب الرقابة الجادة وضرر المواطن

شيرين اللجمي تخوض تجربة جديدة بأغنيتها المغربية "كي ليوم كي غدا"

شيرين اللجمي تخوض تجربة جديدة بأغنيتها المغربية "كي ليوم كي غدا"

حكم بالسجن 3 سنوات وغرامة 30 ألف جنيه على الفنان سعد الصغير بتهمة حيازة مواد مخدرة

حكم بالسجن 3 سنوات وغرامة 30 ألف جنيه على الفنان سعد الصغير بتهمة حيازة مواد مخدرة

الحكم بالسجن 6 سنوات وغرامة نصف مليون دينار في قضية استيلاء على أموال عمومية

الحكم بالسجن 6 سنوات وغرامة نصف مليون دينار في قضية استيلاء على أموال عمومية

الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يعبر عن معارضته لتوريد البطاطا ويطالب بمراقبة الجودة

الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يعبر عن معارضته لتوريد البطاطا ويطالب بمراقبة الجودة

Please publish modules in offcanvas position.