عَرَّفَ المَناطِقَةُ قديماً الانسانَ بأَنَّهُ ” حَيَوانٌ ناطِق”، وهذا التَّعْريفُ بالجنسِ والفَصلِ -حسبَ تعريفاتِ المناطقة- يُؤَكِدُ على أَنَّ في الانسانِ جانِبَيْنِ هما: الحيوانية وهي الجنس، هي مابهِ الاشتراك اي: مانشتركُ بِهِ معَ الكائناتِ الحَيَّةِ الأُخرى. والحَيَوانِيّةُ هي مصدرٌ صِناعِيٌّ من الحَيَوان الذي يعني الكائنَ الحَي ، والحَيَوان ليس مجرد الحي، بل هذهِ اللفظةُ تحتوي على معنىً زائدٍ على الحياة ؛ لانها تعني الحياة الدائمة المستمرة التي لاانقطاع لها.
والنظرياتُ التي قَدَّمَها العِلْمُ اختزلَتْ الانسانَ في حيوانيته ، ولم تلاحظْ البعدَ الاخر في الانسانِ الذي أدركه المناطِقَةُ . فالانسانُ في نظريةِ دارون هو حَيَوانٌ في أُصولِهِ وجذورهِ ، وهو حَيَوانٌ في صراعِهِ من اجل البقاء ، والحياةُ هي ساحَةٌ مفتوحَةٌ لهذا الصراع لايبقى فيها الاّ الاقوياء ، وهذا هو منطق الغابةِ الحَيَواني ؛ فليس الانسان في هذه النظرية كائنٌ مُتَمَيِّزٌ وهو مستخلفٌ في هذهِ الارض . وهكذا هي نظرية فرويد التي اختزلتْ كلَّ سلوكِ الانسان بالدافع الجنسي الغريزي الحيواني . وهكذا كل النظريات العلميَّة اختزلت الانسان ببعده الحيواني الغرائزي ؛ لانَّ العلمَ ماديٌّ في منطلقاتهِ وغاياتِهِ ، وادواته في الكشف عن الحقائق هي الحِسُّ والتجرِبَةُ وهي غيرُ قادرَةٍ على كشف الابعاد الاخرى في الانسان ، هي غير قادرة على النفاذ الى اعماق الانسان ومعرفة ابعاده الخفيَّةِ . فالانسان لديها كائن ماديٌّ غرائزي ؛ والعقل الانسانيُّ عندهم هو عقلٌ أَداتِيٌّ قائمٌ على حساباتٍ ومعادلاتٍ واختزل هذا العقل بالدماغ ولم يفهموا ان العقل الانسانيَّ ليس اداةً فحسب وانما هو جوهرٌ روحانيٌّ مجرد عن المادةِ يتعلقُ بالبدنِ تعلقَ تدبيرٍ وتصرف ، كما جاء في تعريفات الجُرجاني ، اي: انهم اختزلوا العقل الانسانيَّ الى مجرد حاسب آليٍّ يعتمد على البيانات المعطاة اليه ، ويعتمد على المُدْخَلاتِ والمُخْرَجاتِ .
الانسانُ أَكبَرُ من أنْ يَكونَ حَيَواناً تحكمُهُ الغرائز ، وليس مجرد مادة جامدة تحكمها قوانين المادة بل هو يحمل ومضة من نور الله تعالى ؛ لذلك كانَ مُؤَهَلاً من دون الكائنات الاخرى ؛ ليكونَ خليفةَ اللهِ في أرضِهِ .