ضجة أحدثها الفيلم تكشف عن رِدَّة حضارية وتراجع في التعامل مع الحرية الفنية في مصر.
القاهرة- لاقى الفيلم العربي الذي بدأت منصة نتفليكس العالمية عرضه في العشرين من جانفي الجاري بعنوان “أصحاب ولا أعز” انتقادات حادة وأحدث ضجة بذريعة الحفاظ على الأخلاق، وذلك بعد تعرضه لقضية المثلية الجنسية.
وتعامل الكثير من المنتقدين مع العمل الفني بمعايير محلية غير فنية وتجاهلوا أن المنصة عالمية ولا سلطان للحكومة المصرية عليها وجمهورها نخبوي ومن المشتركين في المنصة وعلى درجة عالية من الثقافة وله كامل الحرية في مشاهدة ما يراه مناسبا وعدم مشاهدة ما يعتبره غير ملائم.
وكشفت الضجة التي أحدثها الفيلم عن رِدَّة حضارية وتراجع في التعامل مع الحرية الفنية في مصر؛ فقد قُدّمت خلال عقود سابقة أعمال شبه إباحية مثل فيلمي “حمام الملاطيلي” و”أبي فوق الشجرة”، وكلاهما تضمن ما هو أكثر جرأة من تلميحات فيلم نتفليكس.
ويرى مراقبون أن المشكلة تكمن في من يمكن تسميتهم بـ”بحراس الفضيلة” في مصر الذين لا يعلمون أن المنصات قضت على احتكار بعض الحكومات والشركات التي تدور في فلكها مثلما فنّدت الكثير من الأفكار التي كان من السهل التحكم في بثها، وهي طفرة جديدة يجب أن تقابل بإنتاج على درجة عالية من الإتقان الفني، لأن المنافسة المحتدمة سوف تؤدي إلى تجاوز الكثير من المحرمات التي كان من الصعب الاقتراب منها.
وفيلم “أصحاب ولا أعز” من إخراج وسام سميرة وبطولة الأردني إياد نصار واللبنانيين نادين لبكي وجورج خباز وفؤاد يمين ودايموند عبود، وبمشاركة لافتة من المصرية منى زكي التي تعرضت إلى هجوم شديد بسبب ظهورها في مشهد جريء وغير مألوف بالنسبة إلى ما عرفه الجمهور عنها في أفلامها السابقة.
وقد وجّهت الفنانة منى زكي التهنئة والتحية إلى من شاركوها التمثيل من خلال منشور عرضته عبر حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني أنها سعيدة بالعمل ولا تأبه بالانتقادات الموجهة إليها.
وأكد الناقد الفني محمد رفعت أن أزمة الفيلم تكمن في أن الممثلة منى زكي التي عُرِفت بأنها رصينة ورومانسية وملتزمة بآداب المجتمع الذي تعيش فيه وأخلاقه هي التي قامت بدور مثير، وهو ما أحدث صدمة لدى البعض لأن الصورة الجديدة تناقض ما عُرف عنها.
وقال رفعت إن “كسر المحرمات ليس إيجابيا في كل الأحوال، بل يمكن أن تكون له انعكاسات سلبية، فكلما كان تناولُ قضيةٍ اجتماعية ما صادما ازدادت وتيرة الحديث عن الفضيلة؛ فالجرأة مطلوبة لكن بأسلوب رصين ولا يتناقض كليا مع العادات”.
وشارك في إنتاج فيلم نتفليكس المنتج المصري ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي محمد حفظي، وهو أيضا منتج فيلم “ريش” الذي تعرض لظاهرة الفقر المدقع في مصر، وبدأ يخترق بعض المحرمات التي كان من الصعب المساس بها.
وأشار محمد رفعت إلى وجود مشكلة تتمثل في أن محمد حفظي الذي شارك في إنتاج الفيلم أوحى للناس بوجود ما يشبه المؤامرة لتغيير عادات وتقاليد المجتمع كي تتماهى مع القيم الغربية المتحررة، بعد تجربته مع فيلم “ريش” وما سببه من صدمة لدى الكثير من المتابعين.
وقصة “أصحاب ولا أعز” مستوحاة من الفيلم الإيطالي الشهير “Perfect strangers”، وهي النسخة رقم 19 له، ويتعرض العمل لحكاية سبعة أصدقاء قرروا خلال حفل عشاء في ليلة خسوف القمر ترك هواتفهم مفتوحة على الطاولة، ما كشف أسرارا مثيرة تطرق بعضها إلى المثلية الجنسية.
وأصبحت كلمة “المثلية” تثير حساسية لدى الكثير من المصريين، وعندما يستمعون إليها في أي عمل فني يرفعون أصواتهم منددين بها في محاولة منهم لإبراء ذممهم، بينما هناك ما لا يقل خطورة عنها ينخر قاع المجتمع المصري ولا يتحرك هؤلاء لمواجهته.
وقدم الصحافي والنائب في البرلمان المصري مصطفى بكري بيانا عاجلا في مجلس النواب بحجة أن الفيلم “يحرض على المثلية الجنسية والخيانة الزوجية ويتنافى مع قيم وأعراف المجتمع”.
وتجاهل البرلماني المصري أن منصة نتفليكس أكدت مسبقا أن الفيلم “مصنف للكبار، ويحتوي على ألفاظ نابية”، ما يعني أن من يقدم على مشاهدة العمل جمهور معين، ولا توجد خديعة من قبل المنصة أو مؤامرة تحاك لتخريب المجتمع.
ونفى بعض النقاد أن يكون الفيلم يشجع على المثلية لأنه تناولها في سياق درامي ودون تأييد لها أو تشجيع عليها، وحوى انتقادات واضحة لهذا الفعل وسخرية من البطل الذي أقدم عليه، وهاجمت منى زكي زوجها المثلي في الفيلم.