كلارا صوفي كروتير تعتبر أول مصارعة ثيران تأتي من ألمانيا.
مدريد - عندما خطت كلارا صوفي كروتير إلى داخل حلبة مصارعة الثيران لأول مرة في حياتها، استقبلتها الجماهير والصحافة بأذرع مفتوحة.
ووصفت صحيفة "إل موندو" الإسبانية واسعة الانتشار هذه البداية بأنها “انطلاقة تاريخية” تبشر بمصارعة ألمانية شابة واعدة. وسرعان ما صارت كروتير الفتاة الشقراء صغيرة الحجم مصارعة ثيران محترفة، تقاتل ثيرانا يصل وزن الواحد منها إلى 600 كيلوغرام.
وأصبحت الفتاة “ريكونيادورا” وهو لقب يطلق على مصارعة الثيران التي تمتطي حصانا وتقتل الثور بالرمح، وهي أول مصارعة ثيران تأتي من ألمانيا، أو حتى من أية دولة لا يوجد بها تراث مصارعة الثيران. وبالإضافة إلى ذلك نجد أن وجود النساء نادر إلى حد كبير في هذا المجال الذي يهيمن عليه الرجال.
وبدأت كروتير نشاطها في أغسطس الماضي، وتقول إنها حققت بذلك حلما كان يروادها طويلا. وتنحدر كروتير من مدينة باد برلبرغ بولاية نورث راين فيستفاليا، وهي تعيش الآن بمدينة سانتاريم شمال شرقي العاصمة البرتغالية لشبونة.
وتتميز كروتير بتكريس جهدها لتحقيق هدفها، فهي تتدرب لمدة سبعة أيام في الأسبوع، وطوال أيام العام، وفقا لما قالته لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، وهي لا تحصل على أيام للراحة ولا تذهب لتمضية عطلات. وأضافت “على أكثر تقدير عندما تحصل الجياد على يوم للراحة، أذهب لمشاهدة مصارعة للثيران”.
ومن المقرر أن يكون الموسم الأول لها هذا العام مزدحما، حيث يتوقع أن تخوض ما بين 40 إلى 50 مباراة خلال 2022.
وتعد مصارعة الثيران من فوق ظهر جواد تقليدا برتغاليا، غير أنها منتشرة أيضا في الكثير من المناطق الإسبانية. وبدأت كروتير ركوب الخيل في السادسة من عمرها، عندما أعطاها سائق حافلة المدرسة الذي يدير مزرعة هافلينغر لتربية الخيول مهرا.
وكرست نفسها للتدريب على مصارعة الثيران عام 2017، وتتلمذت على يد المدرب جورج دي ألميدا في البرتغال.
وتقول كروتير “شعر والدايا بالاستياء من هذا الاختيار، لأنهما كانا يريدان مني دائما أن تكون لي مهنة متعلقة بالفنون”، حيث أنها حفيدة للنحات الألماني الشهير فولفغانغ كروتير.
وبعد أول دخول لها إلى عالم مصارعة الثيران رفعها المعجبون على أكتافهم عندما قتلت ثورين، وحملوها إلى خارج الحلبة في بلدة ليدانا الكائنة جنوب شرقي مدريد، وهم يهتفون تكريما لها بصوت يصم الآذان.
ووصفت صحيفة “إل هيرالدو” أداءها بأنه “حدث غير مسبوق”، بينما قالت صحيفة “إل موندو” إن “هذه الفتاة المبتدئة عديمة الخبرة أظهرت قدرا كبيرا من الشجاعة”.
وأضافت الصحيفة أنه علاوة على ذلك فإن وجود “ريكونيادورا” من ألمانيا قد يعطي صورة جيدة للغاية في الخارج عن مصارعة الثيران.
غبر أن رد الفعل في موطنها ألمانيا إزاء نجاحها في حلبة المصارعة اتسم بالصمت.
وقدمت منظمة “بيتا” المعنية بحقوق الحيوان شكوى جنائية “تتعلق بالاشتباه في انتهاك قانون حماية الحيوان”. وقالت المنظمة إن معاملة الحيوان بقسوة يمكن أن تكون عقوبتها السجن لمدة ثلاث سنوات بمقتضى القانون الألماني.
ومن ناحية أخرى كانت هناك حالة ملحوظة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي.
وقالت كروتير “إنني أتعجب كيف يمكن للشخص أن يكون محبا للحيوانات، بينما تصدر منه أسوأ التهديدات بارتكاب أعمال عنف، وبقتل الناس”.
وأضافت أنها يمكنها أن تتفهم أن الدول الكائنة في شمال أوروبا تفتقر إلى تراث مصارعة الثيران، وإنها يمكنها أن تحترم وجهات نظر أولئك الذين لا يحبون هذه المصارعة.
ووجهت كروتير عبارات النقد لمن ينتقدونها، وأيضا لافتراضاتهم حول الحيوانات، وتساءلت “كيف يبررون تناول لحوم الحيوانات؟ ومن أين تأتي اللحوم؟”. وتقول “هذه الثيران المخصصة للمصارعة تتم تربيتها في بيئة تشبه البرية لمدة أربع أو خمس سنوات”.
وتضيف “ينبغي على الناس أن يتفاعلوا مع التقاليد والثقافات الأجنبية بدلا من مجرد استهلاكها، عليكم بمعرفة الناس الذين يعيشون من أجلها”.
وتشير كروتير إلى أن عددا من أصدقائها وأفراد عائلتها أيضا لا يحبون مصارعة الثيران.
وتقول “غير أنهم على الأقل يحترمون جميعا اختياري، وأنا أحترم اختياراتهم”.
وأخذت شعبية مصارعة الثيران تتضاءل في إسبانيا على مدى الأعوام القليلة الماضية خاصة بين الشباب، غير أنها لا تزال تحتفظ بالعديد من المؤيدين ذوي النفوذ، اعتبارا من السياسيين إلى الفنانين ورجال الأعمال، بل حتى الملك فيليب السادس الذي ينادي بالتحديث. كما أن لهذه الصناعة نجومها مثل كايتانو ريفيرا وإل جولي اللذين ينظر إليهما على أنهما نموذج يقتدى به” في إسبانيا.
وبعد أن حظرت العشرات من البلدات والأقاليم في مختلف أنحاء إسبانيا مصارعة الثيران، قضت المحكمة الدستورية عام 2016 بأن الدولة وحدها هي المخولة بإصدار قرار الحظر، حيث تم الإعلان عام 2013 بأن تراث مصارعة الثيران يعد من الأصول الثقافية لإسبانيا.
ولا تعد مصارعة الثيران مجرد تراث، بل تحولت أيضا إلى نشاط تجاري ضخم، حيث يولد نحو 4.5 مليار دولار سنويا وفقا لتقديرات هذا القطاع، كما يعمل به قرابة 54 ألف شخص.
وتعيش كروتير أيضا من دخل مصارعة الثيران، ولكنها لا تنظر إليها كثيرا على أنها نشاط تجاري بقدر ما هي شغف، إن لم تكن كفلسفة.
وتقول “إذا كان الثور عاجزا أو لا يهاجم، فتكون المعركة منتهية تلقائيا، فأنت لا تستطيع أن تقاتل ثورا لا يهاجمك، ومن هنا فإنه بالنسبة إلي تمثل مصارعة الثيران الحياة ذاتها بشكل رمزي، فكلنا لدينا الثور الخاص بنا، أو الجانب المظلم أو الوحشي من شخصيتنا”.