ما يدفعني إلى الكتابة عن شولاميت كوهين هو مواجهتي مع ابنها الفاسد المرتشي ديفيد كشيك، الذي قابلته منذ سنوات خلال مزاولتي عملي الصحفي، والذي صنع من مكاتب الإدارة العسكرية/المدنية في الضفة الغربية مركز لتنمية عملياته التجارية المجدية، ومشاريعه الخاصة لسرقة الأراضي، وأكثرها من الفلسطينيين، ولكن أيضاً من المستوطنين اليهود. وقد اعتمد ديفيد في ذلك على نفوذ والدته شولاميت، القوادة السابقة والبطلة الوطنية لليهود الإسرائيليين، ليتفادى القصاص على الجرائم التي اقترفها بصفته ضابط في القيادة العسكرية، وبعد عمله في الجيش، لمدة ما يزيد على 30 سنة.
من هي أول قوادة إسرائيلية؟
صورة لشولاميت كوهين أيام إقامتها في بيروت
"شولاميت أرازي كوهين" هي "شولوميت كوهين كشك" وهي "شولا كوهين". هذه بعض الأسماء التي عرفت بها العاهرة اليهودية السابقة، والعاهرة وعميلة الموساد في لبنان. لقد زودت دولة إسرائيل بمعلومات هامة عن لبنان وسوريا، وبالتكافل مع شركائها، كانت مسئولة، عن إثارة مشاكل كبيرة لكل النظام المصرفي في لبنان في ذلك الزمان. شولوميت (المختصرة ب"شولا") هي أيضا أم لضابط إسرائيلي في القيادة المدنية/العسكرية في بيت إيل، ديفيد كيشك. ونتيجة لنشاطاتها أصبحت شولاميت "بطلة وطنية"، ولكن قصتها بيضت وشذبت وأعيد اختلاقها لهدف الاستهلاك المحلي. القليلون يعرفون القصة الحقيقية.
ولدت شولاميت أرازي كوهين في الأرجنتين عام 1920 من أب تاجر بالصنعة. انتقلت العائلة إلى مدينة بعقوبة شمال بغداد في العراق وعادت وانتقلت للعيش في مدينة البصرة العراقية الجنوبية. ثم هاجروا إلى فلسطين عبر مرفأ عبدان عام 1937. ووصلوا إلى حيفا ثم انتقلوا للعيش في القدس.
قتل والدها وأخيها ديفيد في عمليات فدائية فلسطينية مختلفة، كما قتل عشيقها الإسرائيلي بينما كان يسرق أراضي الفلسطينيين العرب. وابنها ديفيد، الذي سأكتب عنه في مقالي التالي، كما يبدو سمي على اسم شقيقه.
واجهت شولوميت الكثير من المتاعب بعد مقتل والدها، نتيجة رفض شقيقها الأكبر المساهمة في القيام بأود العائلة الكبيرة التي تركها والده خلفه. وماتت أمها بعد عام من مقتل زوجها. وحتى تتمكن من العيش عملت شولوميت كسكرتيرة في عيادة في شارع "زاهالون هاروف" في تل أبيب،حيث قابلت جنرال إسرائيلي بولندي. عرضت نفسها عليه، ولكن الضابط لم تكن له رغبة بشولا. ولكن بدلا عن ذلك ألحقها بمنظمة الموساد المخابراتية الإسرائيلية.
قبلت شولوميت بالعمل مع الموساد، وقد يكون المال أحد الدوافع لذلك. قبل مباشرتها العمل كجاسوسة، أرسلت للتدريب إلى ها-كيريا في تل أبيب، حيث تعلمت القيام بدورها كمومس للموساد. وبعد ذلك أرسلت إلى لندن لتعلم اللغة الإنجليزية وأصول المعاملة "الأتيكيت"، وكيف تصطاد في الماء العكر، وراء رجال لمستخدميها مصلحة بهم.
باشرت شولوميت عملها كعميلة للموساد في بيروت عام 1947. وكان تتغطى خلف زواجها بجوزيف كشك، تاجر يهودي في لبنان الذي كان يملك متجراً في سوق سرسق في وسط بيروت. سافر جوزيف إلى القدس للزواج بشولاميت الذي حضر له حاخام كل منهما، وكما يظهر كغطاء للقيام بمهمتها. وتحت غطاء هذا الزواج باشرت مهنتها كمومس، "مدام" قوادة وعميلة موساد، وكانت تنسق أعمالها بالتعامل مع يهودي فرنسي، وهو تاجر وزميل يدعى جورج مولوكو، الذي كان يقيم برفقة زوجته آن ماري في لبنان.
خدمات جنسية تباع في بيروت
باعت شولوميت خدماتها الجنسية لمئات من كبار موظفي الدولة في لبنان فيما بين 1947 و 1961. وقد كانت تستقبل زبائنها في بيتها في منطقة وادي أبو جميل الحي اليهودي في بيروت. وكان أول موظف دولة لبناني يقع في شباكها وتصطاده هو "محمود عوض"، الذي كان يشغل ستة وظائف في الحكومة اللبنانية آنذاك.
زارت شولوميت مكتب السيد عوض كي تجدد إجازة إقامتها في لبنان. وقد ارتدت "الثياب المناسبة’ وعرضت نفسها لجلب انتباهه. وخلال الزيارة لاحظت أن انتباه المسئول قد شتت عن القيام بمسئولياته الرسمية، وكان يحدق بجسدها ويختلق الأعذار للتأخير بها. وهي بدورها تركت جواز سفرها كحجة، وبعد ذلك حددت الوقت للمقابلة التالية. ولم تذهب إلى الموعد مع السيد عوض بهدف... واتصلت به للقول بأنها مريضة وطلبت منه إرسال جواز السفر إلى بيتها، وأعطته عنوانها. حمل السيد عوض جواز السفر بنفسه مع باقة زهور. كانت المومس بانتظاره مرتدية الثياب المناسبة للمناسبة. ومند تلك المواجهة أصبح السيد عوض زبون دائم وزائر متكرر لفراشها.
وقد نجحت شولا بتجنيد الموظف اللبناني "جورج أنطون" (أنطون، أنطوان، توني...؟)، وأسست جماعة تدعى "القوات اليهودية للدفاع عن النفس" التي اخترقت حزب الكتائب اللبنانية اليميني. وعبر هذه الجماعة ساعدت في تهجير يهود لبنانيين وغيرهم من اليهود العرب إلى إسرائيل عبر الممرات الجبلية اللبنانية. وفي مجال مهمتها كجاسوسة، تعاونت شولا مع مدير كازينو أولمبياد، حيث كان معظم الزعماء السياسيين اللبنانيين من مدمني القمار يتواجدون. وقد اجتمعت في هذا الكازينو بكميل شمعون Camille Chamoun، رئيس الجمهورية اللبنانية 1952-1958.
كميل شمعون
رتبت شولوميت مقابلة بين الكولونيل السوري أديب الشيشكلي Adib al-Shishakli الثوري الذي أصبح عام 1951 رئيساً لسوريا ورئيساً للأركان، مع رئيس الأركان الإسرائيلي الثالث الجنرال مردخاي ماكليف Mordechai Maklef (1953 – 1953)الذي كان إرهابي في الهاغانا.
الكولونيل أديب الشيشكلي
مردخاي ماكليف
وفي عام 1956 وسعت شولا أعمالها في الدعارة؛ فقد أصبحت تملك خمسة بيوت دعارة إضافية في مناطق مختلفة من بيروت، كي "تصطاد في المياه العكرة" جارية خلف أشخاص مهمين في الحكومتين اللبنانية والسورية. وقد جهز الموساد شولا بكل أجهزة التسجيل اللازمة، مثل آلات التصوير السرية، لتثبيتها في غرف النوم في بيوت الدعارة التي تملكها. واستخدمت شولا فتاة أرمينية جميلة جداً عمرها 14 عاماً أسمها لوسي كوبليان كطعم لصيد رجال شبقون. وتمكنت من تصوير الكثير من موظفي الدولة اللبنانية مع لوسي وغيرها من العاملات في بيوت الدعارة خاصتها. وبهذه لطريقة تمكنت من تصوير زبائنها من الساسة اللبنانيين بينما كانوا يعاشرون أفراد هذا الجيش من المومسات اللواتي دستهن في المجتمع السياسي اللبناني الشيء الذي أعاق اتخاذ أي قرارات تتعارض مع مصلحة إسرائيل. واعتماداً على اللامسئولية التي يتصف بها الكثيرون من الساسة والعاملون في الجهاز الحكومي اللبناني، مما انعكس على تصرفهم بالنسبة للحرب الإسرائيلية على لبنان في العام المنصرم، وقد يكون ذلك الجيش من المحترفات لا يزال يعمل حتى اليوم ويقدم الخدمات إلى العدو الصهيوني.
وبعد ازدهار بيوت شولا للدعارة نتيجة ل"عملها الجاد"، جندت المزيد من الفتيات الجدد. ومن بينهن المومس اليهودية راشيل رفول، التي كما يبدو أنها من أصل حلبي ولها تاريخ "مجيد" في حقل الدعارة في لبنان وقد أتت بزبائنها الكثر معها، الذين أصبحوا بالتالي من زبائن مواخير شولا، كما أضافت إلى العاملات في مواخيرها الشقيقتين مارسيلا ورونيت إسبيران اليونانيتين: وقد قامت شولا ذاتها ببيع خدماتها لمجموعة منتخبة من الزبائن، أي ما يعني كبار الموظفين والجنرالات اللبنانيين والسوريين.
اللإحتيالات والإفلاسات
وعبر عملها في مواخيرها وتعاونها مع الموساد، قامت شولاميت كوهين بمهمة بارزة في مجال عملها ألتجسسي في لبنان: فقد ألحقت هي والمتآمرون والمتآمرات معها ضرراً عظيماً بالاقتصاد اللبناني. وبتوحيد نشاطها مع جورج مولوكو من الموساد، وبالتعاون مع مسئول الموساد في بيروت، إدوارد هيس، وبالاعتماد على زبائنها، ونهم الموظف الحكومي محمود عوص وغيره، فقد قامت برفقة المتآمرين معها بالتصرف بالأموال المودعة وسرقة الملايين من بنوك وشركات لبنانية عديدة. وقد غطي على هذه الفضيحة لتفادي اكتشاف المتورطين فيها، وفي النهاية فقد ضحي ببعض الموظفين الثانويين حتى تسكت الفضائح.
وقد عمم إدوارد هيس الشائعات بأن البنوك والشركات اللبنانية التي نهبت أموالها وتصرف بودائعها قد "أفلست"، وهي بالفعل لم تفلس. وقد هربت الأموال المسروقة إلى إسرائيل بمساعدة بعض عملاء شولا كوهين الذين ساعدوا في تهريب اليهود اللبنانيين ومن بعض الدول العربية الأخرى إلى فلسطين عبر المسالك الجبلية اللبنانية. ومن بين الذين قروا إلى إسرائيل وحملوا الأموال المنهوبة التاجر اليهودي إميل ناتشوتو، كذلك التاجر اليهودي الطرابلسي أبراهام مزراحي، الذي فر إلى اليونان ومنها إلى فلسطين المحتلة. أما خطيبة مزراحي ليلى فقد بقيت في لبنان وتعاونت مع شبكة شولا لتنظم فرار يهود أثرياء من لبنان.
شولوميت كوهين تتسلم جائزتا الرسمية للخدمات التي قدمتها لإسرائيل
رامبو باب (حانة رامبو)
كان الثراء ألذي كسبته شولا عن طريق مهمتها الموسادية والبغائية، والتي تحقق تحت غطاء زبائنها في الحكومة اللبنانية، شجعها على تأسيس مركز للاتصال بجواسيسها. وقد استأجرت مطعما في شارع الحمراء، وحولته إلى باب (حانة) الذي أسمته "رامبو باب".
وقد استخدمت العديد من الفتيات الجميلات لاصطياد زبائن شولا للموساد. ومن بين الذين ألقت شباكها عليهم كان رجل لبناني بسيط، محمد سعد العبد الله، الذي كان يعرف جيداً الممرات الجبلية لتسلل إلى إسرائيل. وقد تلقى محمد العبد الله خدمات سخية في مواخيرها. وقد أتي العبد الله بقريبين له فايز ونصرات العبد الله وقد عرضوا عليها العمل مقابل المال في حانتها وتلقي الخدمات ذاتها مثل قريبهم محمد. كان لشولا أعمال في العراق، ويظهر أن لبنان كان أيضاً طريقا لعبور اليهود العراقيين إلى فلسطين المحتلة. والمعروف أن عملاء الموساد بإرهابهم بقنابل يقذفونها على أمكنة تجمع اليهود العراقيين وذلك بمساعدة غير مقصودة من قوات الاحتلال البريطانية في العراق.
وقد عمل هؤلاء الأقارب كمراسلين بين شولا في لبنان والموساد في فلسطين المحتلة. وكانت شولا تحضر تقاريرها عن الحكومتين اللبنانية والسورية التي كان الأقرباء الثلاثة ينقلونها إلى فلسطين المحتلة عبر المسالك الجبلية. وقد تلقى الأقرباء الثلاثة أجراً مالياً جيدا مقابل خدماتهم تلك، كما إنهم تلقوا مدفوعات بشكل خدمات جنسية من أجمل الفتيات في الباب. وقد ساعد أبناء العبد الله الثلاث الكثير من اليهود على الفرار إلى إسرائيل.
وفي النهاية طلب محمد عوض، المسئول الحكومي الذي غطى عمليات شولا التجسسية وغيرها. طلب المال كثمن إضافي لخدماته لها مما أثار غضب شولا، لما كانت قد صورته بصحبة فتيات صغيرات في الباب. ولكان الموساد عاد وقبل بدفع المال الذي طلبه عوض.
عام 1958 أخبر ضابط سوري ضابطاً لبنانيا عن نشاطات شولا المشكوك بأمرها. ولكنه تلقى جوابا سلبياً مستغرباً من زميله اللبناني الذي قال، "إن شولا فو ق الشبهات.
ولكن في 9 تموز 1962، أي بعد 14 عاماً من التجسس والعمل للموساد، أوقف الكولونيل اللبناني عزيز الأحدب شولاميت كوهين، زوجها جوزيف كشك، راشيل رفول، المسئول الحكومي اللبناني محمود عوض، فايز ونصرات العبد الله بالاضافة إلى 22 يهودي ولبناني من الذين عملوا معا شولا في شبكتها التجسسية.
في 25 تموز 1962، حكم على شولاميت كوهين بالموت الذي خفف إلى 20 سنة في السجن. وحكم على صديقتها راشيل رفول ب15 سنة سجن، وأطلق سراح زوجها جوزيف كشك بعد استئناف الحكم. وكان من حظ محمود عوض أن مات نتيجة ذبحة قلبية في حزيران 1962، بينما كان في السجن قبل البدء بمحاكمته.
عام 1967، اطلق سراح شولاميت كوهين، راشيل رفول، مع عاهرتين يهودتين في عملية تبادل مساجين بعد حرب الأيام الستة؛ وقد استبدلوا مقابل ثلاث ضباط طيران سوريين (وتقول النسخة الرسمية أنهن أستبدلن مقابل "أكثر من 500 سجين")
أما اليوم فقد أصبحت شولا كوهين بطلة وطنية إسرائيلية بعد تبييض وصقل قصتها كي تصبح "صالحة للاستهلاك اليهودي العام". وهي تعيش في أقدم الأحياء اليهودية في القدس، ميا شيريم Mea Shearim، وهي مستوطنة تابعة لراموت. إنها حي سكانه من اليهود الأرثودكس الأصوليين، الحريديم، الذين يمكن أن لا يكونوا على علم بماضيها. وتعيش راشيل رفول في تل أبيب ولها ولد وبنت، الذين يحملان أسماء عائلات أخرى. ولا يعلم أي شيء عن العاهرات الأخريات.
اليافطة الموضوعة على مدخل حي ميا شيريم حيث تقيم وتتقاعد شولوميت
تقول اليافطة" الرجاء عدم الدخول إلى الحي بثياب غير محتشمة!!!"