إن الحرب الدائرة اليوم بين السعودية واليمن، ليست الأولى، رغم قسوتها وفداحة الدماء التي نزفت فيها من فقراء اليمن وشعبها الأصيل؛ ونحسب أن هذه الحرب غير العادلة وغير الأخلاقية، لن تكون الأخيرة.. إن المتأمل لتاريخ العلاقات اليمنية ـ السعودية، في شقها الخلافي الدامي سيكتشف كم هي المواقف والمراحل التي توشحت بالدم، وكيف أن آل سعود كانوا دائماً في موقف المعادي لهذه البلاد، إما خوفاً من قدرة شعبها وقوته، أو طمعاً في ثرواتها وأرضها.
إن فهم الحرب الحالية التي شنتها السعودية منذ العام 2015 ولاتزال مستمرة ومدمرة، لا يستقيم دونما الالتفات إلى الماضي، أو على الأقل إلى بعض صفحاته الدامية لنعرف أن (عاصفة الحزم) الراهنة ليست نشازاً، أو استثناءً، لكنها امتداد لتاريخ طويل من الدم، والنار، بين الدولة السعودية ودولة اليمن بجنوبها وشمالها؛ لقد كان هاجس الكراهية، عاملاً ثابتاً في تاريخ العلاقات بينهما، وكان عبدالعزيز آل سعود (مؤسس الدولة السعودية الثالثة صادقاً حين قال محذراً ومشيراً على موقع اليمن على الخريطة وهو على فراش الموت وحوله أولاده الوارثين: " انتبهوا.. انتبهوا فمن هنا سيأتي هلاككم وزوال ملككم، فلا تطمئنوا لهم وحاربوهم باستمرار وبكل الوسائل وفي كل الأوقات سلماً أو حرباً).. ولقد التزم "الورثة" بالوصية حتى يومنا هذا حتى "عاصفة الحزم"!!.
ولمعرفة بعض صفحات هذه العلاقات الدامية، يحدثنا التاريخ أن الصراع بدأ منذ الدولة السعودية الأولى في بدايات القرن التاسع عشر حين غزت قوات حزم العجماني اليمن 1898. مروراً بعام 1921 حيث حادثة الحج اليماني في وادي تنومة ومقتل 3000 حاج يمني على يد ابن سعود. وتوقيع اتفاقية مكة بين ابن سعود والحسن الإدريسي عام 1926 لفصل الدولة الإدريسية عن اليمن، واتفاقية تسليم (المجرمين) بين البلدين في 15 يناير 1932 تحت الضغط، ووقوع الحرب السعودية ـ اليمنية عام 1934 وتوقيع معاهدة الطائف، والمشاركة السعودية في قمع انتفاضة 1948. ثم المشاركة في قمع انتفاضة 1955. ثم الدماء العزيزة التي سالت على أرض (البلاد السعيدة) بعد ثورة سبتمبر 1962 في الحرب الأهلية لمدة ثمان سنوات ذهب ضحيتها آلاف القتلى والجرحى واليتامى والأرامل، والضغوط السعودية لإقالة محسن العيني من رئاسة الوزراء عدة مرات أثناء الحكم الجمهوري والضغوط المماثلة من أجل تعيين نصير السعودية في اليمن حسن العمري كرئيس للوزراء أربع مرات.. وإشعال النظام السعودي لحرب الحدود بين اليمنين عدة مرات بواسطة عملائه.
وأخذ تعهد من الحجري بإقفال ملف الحدود بين البلدين إلى الأبد. والضغط السعودي على الرئيس الحمدي لطرد الخبراء السوفيات واستبدالهم بأميركان.ومحاولات الانقلاب عليه والتي قام بها الشيوخ المدعومون من قبل النظام السعودي ضده:في 13 يوليو 1975.ثم في 16 أغسطس 1975.ثم ثالثة في 20 فبراير 1976.ثم رابعة في بداية يوليو 1977 في صعدة حتى قتله في اكتوبر 1977.ثم تنصيب شخص موالٍ لهم وهو الرئيس الغشمي.وتجنيد عبد الله الأصنج كعميل لهم في اليمن.والمحاولات السعودية المستميتة لمنع حصول الوحدة بين البلدين.
ومحاولات اغتيال الرئيس علي عبد الله صالح ومحاولات الإنقلاب الأخرى ومنها حادثة مايو 1987،والمصادمات الحدودية التي كانت تقع كل عامٍ تقريباً.
إن عدد سكان اليمن اليوم يشكل نصف عدد سكان الجزيرة العربية وتتنبأ شركات النفط العالمية بمستقبل نفطي جيد، ولذلك فإن السعودية لم تكن لتدع اليمن يعيش في أمانٍ واستقلال لما لذلك من آثار على سياستها الداخلية والخارجية بل استغل الضعف الاقتصادي لليمن ليفرض عليه سياسته، ولكن لنعد مرة أخرى للتاريخ الذي يحدثنا – أيضاً – أنه في صبيحة 15 كانون الثاني (يناير) 1902 م تمكن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مع نحو أربعين من أنصاره من قتل عجلان بن محمد حاكم الرياض من قبل آل الرشيد، بعد أن وضع خطة وتحرك من الكويت بمساعدة أميرها آنذاك مبارك آل صباح. وبعد أن وطّد عبد العزيز حكمه في الرياض توجه إلى المناطق المجاورة لاحتلالها.. ثم احتل الأحساء وحائل ثم عسير والحجاز، وهكذا أتم عبد العزيز الاستيلاء على مناطق الجزيرة العربية حتى أطلق عليها مسمى (المملكة العربية السعودية) في 18 سبتمبر 1932م.
وفي عام 1932 استطاعت قوات يحيى أن تحتل واحة على حدود نجران حيث أجلت عنها الحشود السعودية، واستمرت المفاوضات عامين ولم تسفر عن أي نتائج..
وفي أبريل عام 1934 هاجمت القوات السعودية اليمن مرة أخرى، واستطاع أحد الجيوش السعودية التي كان يقودها ولي العهد السعودى أن يحرز تقدماً صغيراً في المناطق الخلفية على حساب القوات اليمنية بقيادة ولي العهد اليمني الأمير أحمد.. أما الجيش الآخر بقيادة فيصل فقد تحرك بسرعة في اتجاه تهامة واستطاع الاستيلاء على الحديدة.
وطلب الإمام مساعدة من الخارج من الإيطاليين والبريطانيين والفرنسيين الذين كان لديهم هدف واحد هو عدم رؤية السعوديين بالقرب من المستعمرات التابعة لهم (إريتريا، عدن، جيبوتي)، ولذلك أرسلوا السفن الحربية إلى الحديدة ليضغطوا على عبد العزيز حتى يقبل وساطتهم.
وأذعن عبد العزيز لتهديد الدول الأوروبية وعقد معاهدة مع الإمام سميت "معاهدة الطائف"، انسحب بمقتضاها من اليمن مقابل إجبار الإمام يحيى على القبول بسيطرة السعودية على عسير، متضمنة منطقة الحدود– نجران وجيزان–وتعويضاً مقداره مائة ألف جنيه من الذهب.
لكن في عام 1935 وقعت حادثة مهمة حين استهدفت حياة الملك عبد العزيز، حينما قام ثلاثة يمنيون بمحاولة قتل الملك، وهو يطوف بالكعبة، لكن نجله وولى عهده الأمير سعود – حينها – تلقى طعنات المهاجمين الثلاثة، وقتل المهاجمون، وكان الاعتقاد الذي ساد فيما بعد، هو إن الذي دبر المحاولة كان الأمير أحمد ولى عهد الإمام، ويبدو أن لهذا الاعتقاد ما يبرره في ظل ما أشيع عن عدم قبول أحمد بالنتائج التي حدثت في عسير.. وما يؤكد هذا الاعتقاد أيضاً طلب الملك عبد العزيز من الإمام يحيى بأن يقنع ابنه أحمد بعدم المطالبة بعرش أبيه.
لم تكن محاولة اغتيال الملك عبد العزيز هي آخر محاولات الشعب اليمني للتخلص من الهيمنة السعودية أو إبداء التذمر منها، فقد قام الشعب اليمني بالعديد من المحاولات، ومنها : اختطاف طائرة ركاب سعودية هي الأولى في تاريخ الطيران المدنى السعودى وذلك في 6 نوفمبر 1984.. فقد كانت الطائرة - وهي من طراز ترايستار – قادمة من لندن إلى جدة ومن ثم إلى الرياض، وبعد إقلاعها من مطار جدة سيطر أحد مختطفيها على كابينة القيادة وبيده مسدس وأجبر قائد الطائرة على التوجه إلى طهران، فاتصل قائد الطائرة بمطار طهران وأبلغتهم بالأمر، وطلب من المسئولين هناك أخذ الإذن من السلطات الإيرانية بدخول أجواء إيران وقد استسلم المختطفون للسلطات الإيرانية، وقد كانت مطالبهم تتلخص في وقف تدخلات السلطات السعودية في اليمن الشمالي وإطلاق سراح السجناء اليمنيين السياسيين في السعودية، وبالرغم من عدم حصول المختطفين على مطالبهم فإنهم استطاعوا بعمليتهم هذه إسماع صوت شعبهم للعالم.
أما الحادثة الثانية فقد كانت محاولة اختطاف طائرة سعودية من طراز بوينج 737 قام بها شاب يمنى في 17/3/1985، فقد كانت الطائرة متوجهة من جدة إلى الكويت، وهدد الشاب بنسفها بقنبلة يدوية، ولم تعلن الحكومة السعودية شيئاً عن مطالبه، وقد هبطت الطائرة في مطار الظهران بحجة انها بحاجة إلى وقود وهناك قام حرس الطائرة بإطلاق النار على المختطف أحمد العلوى وأردوه قتيلاً، إلا أنه فجر القنبلة قبل مقتله بلحظات فأحدث بعض الخسائر المادية دون أن يصاب أي من الركاب بأذى.
ومن صفحات الدم والنار في تاريخ العلاقات السعودية اليمنية ما أشار إليه صلاح نصر مدير جهاز المخابرات العامة المصرية في مذكراته عن موقف فيصل الرافض لحل مشكلة اليمن سلمياً، فيقول : " اقترح عبد الناصر في ديسمبر سنة 1962 فكرة سحب القوات المصرية من اليمن (التي ذهبت إلى هناك مساندة للثورة اليمنية وحامية للأمن القومى المصرى في باب المندب)، بشرط أن تتوقف معونة السعودية والأردن إلى الملكيين، ولكن الأمير (فيصل) ولى عهد السعودية ورئيس الحكومة في عهد أخيه الملك سعود وقتها، وجد الفرصة سانحة للانتقام من عبد الناصر عدوه اللدود، فلم يكتف برفض عرض عبد الناصر، بل قام بإعلان رفض السعودية للكسوة الشريفة التي كانت ترسلها مصر سنوياً للكعبة الشريفة منذ أمد بعيد، وكان لمصر الفخر في ذلك بين الأمم الإسلامية كافة.
وقد أدى رفض الكسوة الشريفة إلى تعطيل العمال الفنيين المصريين في مصلحة الكسوة الشريفة بالقاهرة، وكان هؤلاء العمال يتفرغون طوال العام لصناعة الكسوة وزخرفتها. فضلاً عن شعور الحكومة المصرية بالإهانة لهذا السلوك السعودى العدوانى !!.
كذلك قام فيصل بوضع عراقيل أمام الحجاج المصريين، بقصد تأليبهم على عبد الناصر فاشترط أن تدفع رسوم الحج بالعملة الأجنبية، وهو أمر يكلف حكومة مصر أعباء اقتصادية باهظة في وقت كانت هي في أشد الحاجة للعملات الصعبة اللازمة لخطة التنمية.
كما بذل فيصل جهوداً مشتركة مع الملك حسين ملك الأردن، لنقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى عاصمة عربية أخرى، ولكنهما أخفقا، ومع ذلك فقد أصر فيصل على أن يسبب لعبد الناصر صداعاً لا يفيق منه، على أن الأمور تطورت حينما اعترفت واشنطن بنظام السلال، مما أغضب السعودية والأردن، واشتد القتال بين الجمهوريين والملكيين في اليمن، فبادرت واشنطن بمحاولة لإقامة تسوية سلام في خريف عام 1962.
والواقع أن محاولة كيندى لإقامة تسوية سلام في اليمن لم يكن منشؤها تعاطف واشنطن مع عبد الناصر، ولكن الأمريكيين كانوا يخشون احتمال تهديد عرش السعودية لو تورطت في حملة صراع طويل الأمد مع القاهرة، وهذا بالتالى يهدد مصالح الولايات المتحدة البترولية، وهي إحدى المصالح الرئيسية لواشنطن في المنطقة.
ولذلك لم يمر شهران على انقلاب السلال، حتى قام كيندي بالتوسط لوقف النزاع في اليمن، فأرسل ممثلاً خاصاً له من واشنطن للاستماع إلى الأطراف المتنازعة، ولكن "فيصل" والإمام البدر المخلوع رفضا العرض، بينما تحمس له عبد الناصر والسلال.وأخفق كيندى في وساطته ومن ثم انسحب من المسرح، لتتولى الأمم المتحدة مهمة إيجاد تسوية حل النزاع، في الوقت الذي كان فيه "فيصل" كان مصراً على تسديد الطعنات المستمرة لعبد الناصر ".
وإذا كان صلاح نصر اعتبر كيندى أخفق في وساطته، تاركاً الأمم المتحدة تتولى مهمة إيجاد تسوية لحل النزاع، فإن د. فوزى أسعد (الباحث والمعارض السعودى المرموق والضابط السابق في الجيش) يرى أن الرئيس الأمريكى قد بذل جهوداً مخلصة لوضع حد للحرب الأهلية في اليمن، وذلك بالضغط على السعوديين لوقف مساعداتهم للملكيين، بعد اقتناعه بأنه لا البدر، ولا الحسن وأتباعهما يستطيعون إسقاط النظام الجمهورى، طالما كان هذا النظام يتمتع بتأييد غالبية الشعب اليمني، ومساندة القوات المصرية، وطالما كانت القوى الوطنية في اليمن ترحب بالتدخل المصرى، وأن جهود الرئيس كيندي أثمرت في هذا السبيل، وحسب مذكرة كتبها وزير الخارجية بتاريخ 7 سبتمبر 1963 " فإن المساعدات السعودية قد تقلصت إلى الحد الذي أثر على عمليات الملكيين العسكرية ".
ويحدثنا التاريخ عن التعاون السعودى الإسرائيلي في ضرب ثوار اليمن في الستينيات، وفي خلق مناخ سياسى وعسكرى يزيد من تورط عبدالناصر في اليمن حتى تسهل هزيمته من إسرائيل وهو ما حدث في حرب 1967، وتتوالى المؤامرات السعودية على اليمن في السبعينات والثمانينات.وفي العشرين السنة ما بين 1974 وحتى 1994م حاولت السعودية جاهدةً إجهاض أي عملية للوحدة اليمنية.وفي أكثر من مرة أحبطت الوحدة وبوسائل سعودية متعددة ومنها؛ إغتيال ثلاثة رؤساء يمنيين إثنين في الشمال (الحمدي 1977م والغشمي 1978م) و إعدام واحد في الجنوب (سالم ربيع1978م)..! تلتها بعد ذلك إستمرار نشوب حرب الجبهة في المناطق الوسطى..!
أيضاً كانت هناك مباحثات بشأن الوحدة من 1979م وحتى أوائل التسعينات وكلها فشلت.. فقد أثرت السعودية على قرارات شمال اليمن حينها بشأن الوحدة في كل جلسات المفاوضات.. وكان عبد الله بن حسين الأحمر من أبرز المعارضين للوحدة.. وعقب الوحدة اليمنية عام 1990م، توترت العلاقات بين السعودية واليمن، لأن معاهدة الطائف التي وقعت عام1934م نصت على ضم عسير وجيزان ونجران للسعودية حتى العام 1992م، ومن ثم كان ينبغي إعادتهم لليمنيين وهو ما لم يحدث حتى يومنا هذا (2016) بل وقامت السعودية ببناء قاعدة عسكرية في عسير.. وبدأت مشروعا بثلاثة بلايين دولار لتسوير الحدود.. وضخ الإستثمارات في جيزان..
ثم حاولت السعودية عزل الحكومة اليمنية..كان اليمن قد وقع إتفاقا حدوديا مع سلطنة عمان، فقامت السعودية بإثارة خلافها القديم مع السلطنة ضغطاً على مسقط لإلغاء الإتفاقية مع صنعاء..!
ويحدثنا التاريخ أن السياسة السعودية بالنسبة لليمن لم تتغير أبداً في تلك الفترة، حيث سعت الرياض إلى منع القوى الصديقة أو الحليفة لليمن من تكوين أي قواعد للنفوذ لها هناك اعتقاداً من آل سعود إن هذه القوى سيكون لها تأثيرها على الأحداث، لا في اليمن وحدها ولكن في شبه الجزيرة كلها، والحالة المثالية، كما كانت ولاتزال، من وجهة نظر الرياض أن يكون نظام الحكم في شبه الجزيرة العربية بأكملها ملكياً، كما هو الحال في الدول الصغيرة المطلة على الخليج الفارسي، وقد بذلت السعودية جهوداً كبيرة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في اليمن الشمالي والجنوبى، عن طريق مساعدة بعض العملاء المحليين لإسقاط نظام الحكم الجمهورى واستبداله بنظم حكم أكثر ملاءمة للرياض،وفشلت الرياض في النظامين، ولكنها استطاعت في اليمن الشمالي أن تجعل لحلفائها دوراً رئيسياً في النظام الجمهورى القائم، ونظراً لعدم استطاعة السعودية ضمان استمرار النظام الملكى القبائلي في جنوب السعودية، فإنها سعت إلى الحفاظ على سيطرتها على هذه المنطقة بحيث تمنع أي تدخل عالمي أو إقليمي، وبينما نجحت السعودية في إبعاد المصريين عن اليمن الشمالي، فقد فشلت في إبعاد السوفيت عن اليمن الجنوبي.
* هذا وتؤكد وقائع التاريخ أن الرياض سعت إلى منع أي نوع من الوحدة اليمنية، حيث كانت ترى في اتحاد اليمن خطراً على هيمنتها على شبه الجزيرة العربية، سيكون له مطالب تحررية وحدوية ترجع إلى حرب عام 1934 بين الملك عبد العزيز والإمام يحيى، وفي المرتين (1972 – 1973)، (1979 – 1980) لعبت السعودية دوراً رئيسياً في قرار اليمن الشمالي بعدم تنفيذ اتفاقيات الوحدة التي وقعها مع اليمن الجنوبي، وقد تمت الوحدة بالفعل في التسعينيات من القرن الماضي رغم المحاولات المستميتة للنظام السعودي لإفشال تلك الوحدة، لكن سياسة المملكة نجحت في ان تجعل الوحدة بدون قيمة تذكر، بعد موافقة اليمن على ترسيم الحدود عام 2000 (اتفاقية جدة) تاركة عسير وجيزان ونجران اليمنية، التي احتلتها المملكة بالقوة في الثلاثينيات!!.
ورأت المعارضة اليمنية يومها أن معاهدة جدة كانت بمثابة المخدر لليمنيين، لم تحل مشاكل الشعب، بل زادت مشاكلهم تعقيداً، لأن المعاهدة لا تخدم إلا مصالح نظام آل سعود ولا تقدم لليمن إلا الذل والقهر والفقر لتبقى اليمن تحت إمرة وسيطرة ورحمة نظام آل سعود، وهو ما كان بالفعل طيلة الفترة الممتدة من التسعينات حتى عاصفة الحزم (2015) والتي أحال فيها آل سعود اليمن إلى ركام ودمار، ورغم ذلك لم يستسلم اليمنيون، بل ازدادوا صموداً ومقاومة..
ونحسب أن هذه الحرب بنتائجها ستكون سبباً تاريخياً كبيراً لنهاية الدور السعودى في اليمن، وربما في نهاية الدولة السعودية ذاتها، لأن التضحيات التي قدمت على مذبح الحرب، ثمنها غالٍ للغاية وهي من شدة هولها، وقسوتها، لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. بل ستكون فاتحة لعالم جديد من العلاقات بين الدولتين؛ لن يستطيع فيه اليمنيون نسيان طعم الدم والنار التي زرعتهما الدولة السعودية في قلب هذا البلد.. الذي كان (سعيداً) قبل أن يُطل عليه ليل.. آل سعود الطويل !! والله أعلم.