قبل سن البرلمان التونسي الشهر الماضي قانونا يحمي المبلغين عن الفساد تعرض موظفون في مؤسسات حكومية لعقوبات تشمل فصلهم من وظائفهم لأنهم فضحوا ممارسات وصفقات غير قانونية. ويأمل هؤلاء أن يرد لهم القانون الجديد اعتبارهم وحقوقهم.
تعاني الشابة التونسية مبروكة قصير من ضيق حاد في التنفس أصيبت به بعد دخولها في حالة من التوتر عقب طردها من وظيفتها بوزارة التجهيز جراء كشفها ملفات فساد. لكنها اليوم استرجعت بعضا من أنفاسها عقب صدور قانون يحمي المبلغين عن الفساد ويعيد لهم الاعتبار.
طُردت مبروكة، التي كانت تعمل في قسم الإعلام بوزارة التجهيز، عام 2014 تعسفا -كما تقول- لأنها رفضت أن تكون "شيطانا أخرس"، وسعت لإماطة اللثام عن شبهات فساد تتعلق بملف السكن الاجتماعي، فكان جزاؤها من رئيس عملها الضرب والطرد.
رغم محاولات تظلمها لدى الوزارة لم تستطع هذه الشابة، التي أصبحت تعاني مصاعب كبيرة بسبب تدهور وضعها المادي نتيجة البطالة، أن تسترجع حقها فاشتكت للهيئة المستقلة لمكافحة الفساد.
وضع صعب
تتكفل أسرة مبروكة (36 عاما) بمصاريف تنقلها وسكنها وعلاجها من الربو بعدما "أوصدت" وزارة التجهيز الأبواب في وجهها، وفي ظل هذا الفراغ قررت مواصلة دراستها لتحصل على شهادة الدكتوراه في مجال الاتصال، وتأمل أن ينصفها قانون حماية المبلغين عن الفساد.
تقول مبروكة للجزيرة نت إن تصديق البرلمان قبل أسبوع على قانون يتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه "خطوة إيجابية" للتشهير بالفساد، وتشجيع الناس على فضح المفسدين، وإنصاف المبلغين عنهم.
يهدف القانون الجديد لإعادة الاعتبار لضحايا الإبلاغ عن الفساد الذين طردوا من عملهم أو انتهكت حقوقهم المهنية. كما يهدف لحماية المبلغين من مختلف أشكال الانتقام، ويجبر الدولة على منحهم مكافآت مالية إن كانت شهاداتهم تحول دون ارتكاب جرائم.
ويعاقب القانون بالسجن من 5 إلى 10 سنوات سجنا كل من ألحق ضررا جسديا أو معنويا بمبلّغ عن الفساد، ومن سنة واحدة إلى خمس سنوات كل من تعمد الكشف عن هوية المبلّغ عن الفساد للانتقام منه، ومن ستة أشهر إلى خمس سنوات لكل من يتوعد بالانتقام من المبلّغين.
مبروكة ليست أفضل حالا من الشاب محمد عبد المؤمن (37 عاما) الذي يعيش أيضا وضعا اجتماعيا خانقا بسبب وقفه عن العمل بشركة نقل تونس الحكومية جراء تبليغه -كما يقول- عن شبهات فساد تتعلق بصفقات مشبوهة.
بدأ العمل قبل عشرة أعوام بهذه الشركة التي تقدم رحلات الحافلات الصفراء والمترو الخفيف، لكن اكتشافه لشبهات فساد دفعه للتبليغ عنها، فعجل ذلك بنقله تعسفًا من مكان عمله، قبل أن يجمد ويوقف صرف راتبه منذ يونيو/حزيران الماضي.
يقيم محمد -وهو متزوج- مع والده الذي يسنده في محنته. ورغم أن زوجته تعمل فإن أجرها الضعيف (200 دولار) بالكاد يكفيهم لمجابهة الحياة. ويعلق محمد آمالا كبيرة بعد صدور قانون حماية المبلغين عن الفساد لإعادة الاعتبار له واسترجاع حقه.
ومحمد أحد المبلغين عن الفساد الذين كرمتهم العام الماضي منظمة "أنا يقظ" في تونس وهيئة مكافحة الفساد المستقلة لشجاعته في التبليغ عن شبهات الفساد في شركة نقل تونس، تتعلق أساسا بنهب المال العام وغيرها.
تحفظات وآمال
رغم أن عديد السياسيين والمراقبين يشيدون بالتصديق على قانون حماية المبلغين عن الفساد الذي تعطل صدوره بعد الثورة ويعدونه آلية مهمة وإطارا تشريعيا أساسيا لمكافحة الفساد الذي يستشري في عديد القطاعات، فهناك من عبر عن بعض المآخذ عليه.
تقول هندة فلاح، مديرة دعم وإرشاد ضحايا الفساد بمنظمة "أنا يقظ" بتونس للجزيرة نت إن القانون الجديد "خطوة مهمة" باتجاه دعم الشفافية والحد من الفساد، لكنها تشير لتحفظات حول هذا القانون "تخيب الآمال المعلقة عليه".
عن التحفظات تقول إن القانون لم يجرم عدم الإبلاغ عن الفساد، مما يفتح الباب للتستر عن التجاوزات، كما انتقدت أثره الرجعي الذي لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ صدوره. وعبرت عن مخاوفها من سلبية إغراق هيئة الحوكمة ومكافحة الفساد التي ستكون مسؤولة عن هذا المسار بالملفات.
ورغم أن الترحيب بالقانون قاسم مشترك بين الجميع فإنه بالنسبة إلى مبروكة ومحمد لا توجد أهمية كبرى في صدوره إن لم تكن هناك إرادة قوية للدولة في محاربة الفساد والفاسدين.