أعلنت رئاسة الحكومة عن إعفاء وزير التربية ناجي جلول من منصبه، وتزامن هذا القرار مع إحياء العالمي للعمال الذي يحمل رمزية احتفالية للشغالين والنقابيين المنتمين للاتحاد العام التونسي للشغل، وتأتي هذه الخطوة بعد صراع طويل بين جلول ونقابات التعليم التي طالبت برحيله وهددت وصعّدت في أكثر من مناسبة من خلال تنفيذ الإضرابات والاحتجاجات حتى وصل بها المطاف إلى التلويح بتعليق الدروس، وهو ما رفضته القيادة المركزية النقابية التي تكفلت بملف وزير التربية وتعهدت بإيجاد الحلول اللازمة بعيدا عن المساس بالسنة الدراسية.
موقف المكتب التنفيذي الوطني جوبه باستياء واسع لدى القواعد النقابية وصل إلى تلويح جزء كبير منها بالانسلاخ من الاتحاد وتخوين القيادة واعتبار ما حصل ضربا لـ"نضالات" المعلمين والأساتذة، لكن يبدو أن إقالة وزير التربية كانت محسومة من قبل رئيس الحكومة والأمين العام للمركزية النقابية، ولم يكن إعلانها سوى مسألة وقت لا غير.
تزامنت تنحية جلول من وزارة التربية مع عيد العمال وفي ذلك دلالات وإشارات تحيلنا إلى طرح جملة من الأسئلة حول ما وراء هذا القرار الذي وصفه البعض بـ"الهدية المسمومة" التي تخفي وراءها العديد من المعطيات في علاقة بالملفات والمسائل العالقة بين الحكومة والاتحاد، واعتبر البعض الآخر أن الشاهد قدم وزير التربية قربانا لاتحاد الشغل من أجل تهدئة جبهة نقابات التعليم المشتعلة في خضم الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية والشعبية التي تشهدها البلاد والتي عجزت حكومة الوحدة الوطنية عن احتوائها إلى حد الآن، وجاء نجاح المركزية النقابية في حلحلة أزمة معمل "الكوابل" في الكاف مؤخرا، ليؤكد للحكومة أن حلّ الأزمات الاجتماعية لا يمكن أن يكون بمعزل عن الاتحاد، وفي إطار لعبة الشدّ والجذب وسياسة وتكتيك "خوذ وهات" بين الطرفين، جاء الإعلان عن إقالة ناجي جلول تزامنا مع العيد العالمي للعمال الذي عادة ما يمثل مناسبة للمنظمة الشغيلة لتقديم "الهدايا" لقواعدها.
الهدية المسمومة
إعفاء ناجي جلول من وزارة التربية يمكن اعتباره الهدية الكبرى لنقابات التعليم التي تشكل أغلبية واسعة داخل القاعدة النقابية الواجب إرضاؤها ولو بعد حين، وإرضاؤها هذه المرة جاء عبر الإطاحة بأكثر الوزراء إثارة للجدل في حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد، وأحد رموز حزب نداء تونس الفائز في انتخابات 2014، وهو ما يحسب لفائدة القيادة الجديدة للاتحاد بعد ما قيل وروّج عن توجهاتها المتماهية مع السلطة، أقاويل فندتها إقالة جلول وإعلانها يوم عيد العمال العالمي، وفي ذلك رسالة واضحة لكل من شككوا في سياسة المكتب التنفيذي الوطني الذي استطاع استعادة ثقة القواعد الغاضبة التي تقبلتالهدية واعتبرتها خطوة ايجابية وأثنت على حكمة القيادة في التعامل مع ملف التربية.
الوزير المقال اعتبر في تصريحات إعلامية أن تنحيته بهذه الطريقة، خطأ سياسي فادح ارتكبه يوسف الشاهد، تصريح يؤكد مكانة جلول فيما يعرف بالحزام السياسي حول حكومة الوحدة الوطنية، بما يعني أن إبعاده عن دوائر القرار الحكومي ستكون له تأثيرات سلبية على توازن الحكومة التي تشكو بطبيعتها من ضعف الدعم السياسي بما أثر على أدائها وجعلها محل انتقادات واسعة رغم الجهود التي يبذلها الشاهد من أجل سدّ الثغرات ومجابهة المشاكل الاجتماعية وخاصة الانهيار الاقتصادي، ويبدو أن تضحيته بناجي جلول سيكون مقابلها في قيمة هذه التضحية، خاصة بعد الجدل الأخير حول زيارة وفد صندوق النقد الدولي والقسط الثاني من القرض الممنوح لتونس، وتحديدا في علاقة كل ذلك بالإصلاحات الهيكلية المفروضة من المؤسسة المالية الدولية على الحكومة، إضافة إلى مشروع قانون المصالحة المثير للجدل والتي مازالت تلقى صدّا ومعارضة من الاتحاد العام التونسي للشغل.
بعيدا عن التأويل والتهويل، وبقطع النظر على مدى تأثير إقالة ناجي جلول من منصبه على سير امتحانات آخر السنة الدراسية، فان إعلان هذا القرار تزامن مع جملة من التحركات والاحتجاجات التي طبعت الساحة الوطنية وشغلت الرأي العام، جاء في إطار تكتيك "خوذ وهات".
وجيه الوافي
