نحن على مشارف رمضان، الشهر الكريم الذي أصبح مناسبةً للتظاهر بالتقوى، مثل هذه الدعوى لوجوب منع التظاهر بالإفطار، بينما التقوى الصحيحة هي في إخفاء الصوم لا الإفطار!
الإسلام هو النية الصادقة، وهي، حتمًا، لا تتمثل في المراآة بالتظاهر. لهذا حث الإسلام أهل الإيمان الحق على التقوى الصحيحة، وهي تقوى القلب، وغض النظر عن كل ما عداها، إذ الله يرى كل شيء وله وحده ردعه أو قبوله. ولا أحد غيره يعرف ما في القلوب، وله معرفتها؛ فلعل الفاطر له أعذارا لا يعلمها الناس ويعلمها الله!
لا تظاهر بالصوم في الإسلام
لقد سهى العديد من أهل الإسلام عن الدين الصحيح أخذا بما في الديانات الأخرى التي عرفت الرهبنة وخداع المظاهر. إنه لا رهبنة – وهي قمة التظاهر-في دين القيمة، والنية هي الوسيلة الفضلى لحسن الدين وخدمته، وذلك بأعطاء المثل الطيب.
واجب المؤمن المسلم الحق هو الالتزام بمكارم الأخلاق التي كُلّف الرسول الأكرم بإتمامها. لذا، لم يكن النبي يتظاهر بشيء، وكان يحث على إخفاء التقوى، كألا يظهر المتصدّق صدقاته والمحسن حسناته.
ولا شك أن الحال نفسها بالنسبة للصوم، لأن التبجح به واستغلال شهره للكسل أو سوء التصرف ليس إلا من الادعاء الكاذب الكذوب في الإسلام؛ الأفضل عندها فقهيا ألا يصوم هذا المسيء لنفسه ولدينه، خاصة إذا لم يقدر على الصوم إلا بمثل ذلك التصرف الهجين المشين، وقد سمح دينه بالكفارة وحث على البعض منها من باب التكافل الإجتماعي، كإطعام وإكساء المساكين. فهلا قام بذلك من يهدر واجبه في حق اقتصاد بلاده عليه، متظاهرا بالصوم وهو لا يصومه حقيقة، إنما يداهن!
لا كسل في رمضان
إن تمادي النشاط كالمعتاد في رمضار واجب على كل صائم، إذ الإسلام دين ودنيا. وهذا من الواجب العيني الذي ينبغي التذكير به هذه الأيام وقد كسد فيها اقتصاد البلاد، فأضر بكل الشعب، الفقير منه خاصة.
خاصية الإسلام كدين ودنيا يقتضي تواصل المعاملات فيه، بل وأن تكون الدورة الاقتصادية كأفضل ما هي عليه؛ فلا إغلاق للمحلات نهارا، كما يحدث عندنا، ولا إبطال لما فيه تجارة وربح؛ وفي ذلك ولا شك زيادة خير بفضل كرامة الشهر الفضيل؛ ويكون طبعا الخير للمجموعة.
ثم ليس الصوم في الأكل والتخمة، وقد أصبح ذلك همّ الناس، بما فيهم السلط التي تجعل من رمضان موسما تجاريا، بينما هو أساسا للاتعاظ بسورة الجوع ومعاناة من لا يقدر على ما أصبح الناس لا يفكرون إلا فيه، أي بطونهم، باسم التقوى الكاذبة.
لا منع للإفطار في الإسلام
هناك من لا يعرف دينه، فيدّعي منع الإفطار العلني في رمضان؛ وهذ من الخور، لأن الإسلام الصحيح يسمح بالإفطار علنا لوجود علّة ليس على المفطر تبيانها للناس، إذ هي لا تخص إلا علاقته بربه. ولا ينقّب أحد في الإسلام في القلوب، فحتى الرسول مُنع منه؛ فهل نكون أفضل من سيد الآنام؟
ومن أدرانا، لعل المفطر أكبر تقوى من الصائم دون ادّعائها، إذ هو يتصدّق ويساعد من في حاجة؛ ولعله أيضا يصوم أياما أخرى للتعويض كما يسمح له به دينه، دين اليسر الذي جعلناه، خداعًا، دين عسرٍ!
الصوم ليس عن الأكل، بل عن المفاسد
رمضان، شهر العبادة، ككل فضائل الإسلام ليس في الامتناع عن الأكل والشرب، فهذا لا يهم الله، ولم يكن ظلاما للعبيد؛ بل هو للاعتبار وتربية النفس على مكارم الأخلاق؛ فأيهما أتقى: الصوم عن المفاسد أو عن الأكل نهارا للتخمة ليلا؟
إن المسلم الحقيقي هو الذي يسلم الناس من يده ولسانه؛ وقد رأينا العكس يحصل في رمضان، فتكثر الموبقات، وليست هي في الإفطار، بل في هتك روح الإسلام ونصه بتصرفاتٍ بلهاء كما يحدث كل عام.
أما الأدهى فرؤيتها عند هؤلاء المناديين بتحريم حرية الإفطار للمسلم وقد ضمنها الله لعدم الاستطاعة، وهذا يقدّره المعني بالأمر – بما أن المسلم مسؤول – وربّه في علاقته المباشرة به. وهل لغير الله قبول أو رفض استطاعة الصوم والإفطار علنا في الإسلام، دين الحقوق والحريات؟
* المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات.