النخبة هي طبقة إجتماعية ضاربة في القدم لا يخلو منها أي مجتمع،كالكهنة و الملوك و النبلاء و الارستقراطيين و العلماء و الفلاسفة قديما. و مع تطور العصر و الزحف الحضاري بدأت أشكال النخبةى تشهد تغييرا لتصبح تخصصية اكثر حسب المجال كالثقافة و السياسة و الإقتصاد و التعليم...هذه الفئة الاجتماعية دافع عنى وجودها افلاطون على انها ضرورة لقيادة المجتمعات و انها كتلة من الناهبين ، لها ميزة توجيه السلوك الجماعي و تقدم الاضافة و تسعى للتغيير الدائم نحو الافضل.
تلعب النخبة دورا قياديا في مجتمعاتها، نظرا لإمتيازات عديدة تتمتع بها كالثروة و كاريزما القيادة و التأثير و إمتلاكها لمواهب ترفعها عن باقي افراد المجتمع. هذا الدور شهد تطورا تاريخيا ليزداد ثقله بتواتر التغيرات الطارئة على المجتمعات. فهي اذا الفئة التى ستتكفا بتناول قضايا المواطن الفرد و المجموعات و تتخذ قرارات لصالح مجتمعاتها. و قد رسم سان سيمون تحليلا قاعديا للمجتمع بشكل هرم، تمثل قاعدته العريضة الفئة العادية من الناس و عموم الشعب اما راسه المستدقة فهي تمثل النخبة دلالة على قلتها و تميزها و فاعليتها في تحديد مسارات المجتمعات عبر صياغة تاريخها.هرمية تترجم كون هذه النخبة متحكمة و سلطوية، فإلى اي مدى تمتد سلطة و تأثير هذه النخبة؟؟؟
1-النخب و النضال السياسي:
يمكن تعريف النضال على انه اسلوب كفاح و سبيل مقاومة و ممانعة يعبر عن توجه مجموعة من الافراد سياسيا و إجتماعيا و ثقافيا، و هو نتاج العمل على قضايا المجتمع و التعاطي مع هموم الافراد كالفقر، الاخلاق، التربية، التعليم، الوعي و النقد.
و بالتالي النضال هو وسيلة يتحقق بها الارتقاء الإنساني و عنوان للانتماء و التجذر.و هو ايضا حضور و تفاعل و تأثير، قرب و مشاركة و رقي.
إن ابرز صور النضال المعاصر هي مقاومة المستعمر الغربي الذي إجتاح العالم العربي خلال القرن العشرين و قد سبقه في القرون الماضية النضال ضد الإجتياح الصليبي او نضالات نشر السياسة و الدين الإسلامي. و هو دليل على تاريخية النضال و تطوره بحكم التطور الحضاري و تغير المفاهيم.
ظهرت حركات التحرر الوطنية التى انتجت نخبة من الناشطين سياسيا و ميدانيا كمسلحين. و وجهت كل شحنات النضال إلى قضية إستقلال الشعوب و تقرير مصيرها بنفسها.فكانت نخبا فاعلة كرست ذواتها لخدمة مجتمعاتها بكل تفان فلم تعزل نفسها عن قضايا شعوبها بل إندمجت فيها و إتحدت معها. افرز هذا التفاعل و الإحتكاك عملية إصلاحية كسبت معركة الإستقلال و بناء دول مستقلة و أرست مشاريع نهضة شاملة.
بعد مرحلة الاستقلال، بدأ مفهوم النضال السياسي يتغير،افرز احزاب سياسية نظرا لتغير نظام الحكم الذي اصبح ديمقراطي فاصبحت الاطراف الفاعلة في المشهد السياسي تنشط في حدود التمكين و إبتعادها عن القضايا الجوهرية للمجتمع بل إتخذ هذه القضايا مجرد ادوات تضمن إستمرار وجودها السياسي و غايتها الاولى الوصول الى سدة الحكم و تحكمها في الوعي السياسي الجماعي. ليبقى النضال مجرد شعارات شحن و توجيه لخدمة المصلحة الحزبية، يرى ميلر ان قوة النخبة اليوم تكمن في النظام السياسي و ما تبعه من قرارات سياسية اي انها مجرد ثقافة سلطوية تخاطب عموم الناس بأسلوب الهيمنة المؤثرة نظرا لحاجة هذه الفئة لقيادات تخلصها من المشاكل و تضمن لها مستقبل افضل فتنتهز هذه النخب الفرصة و توجه الوعي الجماعي نحو انشطتها الساسية مما يسهل تمرير القرارات و الوصول للسلطة كيفما كان الاسلوب.ف"للاسف لا يمكننا التخلص من الاوغاد عن طريق الانتخابات لاننا لم ننتخبهم اصلا"/نعوم تشومسكي. و رغم نجاح النخبة السياسية لسنوات طويلة في تغييب الوفي الجماعي السياسي الا انه في السنوات الاخيرة نلحظ استفاقة و تزايد الوعي الشعبي مما جعل النخب السياسية تعيش في فجوة مع عموم الشعب لإفتضاح قصور قرارتها و عجزها عن معالجة الإشكالات و القضايا و عدم قدرتها على تحقيق نهضة حقيقة،بل كل ما انتجته هو إستئثارها بمكاسب تمكينها السياسي الذي كرس الديكتاتورية و إضطهاد الشعوب."إن النخبة لا تموت مبكرا بل الشعوب هي التى تموت"/الماغوط
بالتالي لا يمكن الحديث عن نخبة سياسية مستقلة، بل كل ما نراه هي نخب تابعة للنظم السياسية و موالية للدول المهيمنة و تحريف لمفهوم النضال الحقيقي. و قد قيل "إن من يناضل من اجل السلطة دائما يترصد غينمة، فمن يقبل بتعويض مقابل نضاله هو ليس مناضلا بل مرتزقا."
النخبة السياسية معظمها مرتزقا، نضالها مجرد غنائم و استعلاء و ضحالة مواقف،لهذا لابدا من توجيه شحنات النضال إلى قضايا ثانية اعرق من اجل الحصول على استقلال ثان كما يشير الدكتور المنصف المرزوقي.
2-النخب و الحراك الإجتماعي:
إن النضال لا يقتصر فقط على المجال السياسي بل يشمل ايضا الجانب الاجتماعي بما هو بحث في قضايا المجتمع و إشكالاته و معالجة كوامن الخلل فيه بايجاد حلول لكل مشكل على حدة و يتم ذلك حسب رؤى و استراتيجيات تضمن احداث تغيير حقيقي يوافق احتياجات المجمتع.
و قد سمي النضال الإجتماعي بالحراك إستنادا لحركة المجتمعع الداخلية بين طبقاته و في كل طبقة بحد ذاتها، حركة تحكمها ظروف معينة لعل أهمها الفجوة بين الطبقات.
هذا الحراك الاجتماعي يتم حسب اسس معينة لان طبقات كل مجتمع منفتحة على بعثها البعض و تشهد تطور مطرد، حراك لا يتم دون عقبات كالازمات المالية و الإقتصادية و يختلف عمق هذا الحراك و شموليته من مجتمع الى اخر فلا يمكن التنبؤ بإتجاهه و حجمه.
للحراك الاجتماعي انماط عديدة اهمها الحراكىالمهني و المكاني و الإقتصادي و كله يصب في خندق تحقيق العدالة الاجتماعية و المساواة بين الافراد. فكل تغيير يحدث في الممارسات و الخطابات السياسية يؤدي لامحالة الى تغيير في التنظيم الإجتماعي ايجابيا كلما كان هذا الخطاب اكثر عدلا. و هو ما يرسخ سيادة القانون و ضمان التكافؤ بين الافراد و تكريس للحقوق فعليا. آليا ستختفي كل مظاهر الربحية بين النخبة و الطبقة العامة للشعب بل ستتبنى النخب كل القضايا و الدفاع عن مصالح الناس امام الجهات المتنفذة. و لن ينجح ذلك دون وعي من المناضلين لان دورهم الحقيقي يكمن في فتح قنوات التواصل مع الشعب و التفاعل معه لحل كل القضايا العالقة وهو ما ينتج نهضة و تنمية اي العدل في توزيع الثروات و تصحيح مسارات مفاهيم التربية و التعليم و الثقافة من اجل تهيئة انسان واعي باستحقاقاته . و لعل الاحتجاجات المتصاعدة من الفئات المهمشة في في كثير من المجتمعات دلالة على ان النخب لا تقوم بدورها الحقيقي رغم تصدرها مشهد الحراك. فالناس في امس الحاجة لمؤسسات فاعلة تقوم بدورها التنموي تحتويهم كجزء من مشروع التنمية،لكن ما يحصل اليوم هو العكس بتهميش و إقصاء لهذه الطبقة وهو ما ضخم اشكالات مفهومية للثقافة و التربية و جعل هذه النخبة متهمة بالتواطؤ مع الاطراف الربحية و اقتناصها لفرص تحقيق المصالح الذاتية.ادى ذلك الى ترديها و ظهور حراك اجتماعي شعبي انطلق من عمق الفئات المهمشة المحرومة من ابسط حقوق المواطنة. صنع فجوة مع النخب الموالية للانظمة بالتسويق لها مما انتج ديكتاتورية انفجرت بسببها ثورات شعبية اطاحت بها.
ان النضال السياسي و الإجتماعي في وقتنا الراهن لا يرتقي لمفهومه الحقيقي لان النخب البوم تسعى جاهدة لاتخاذ كل سبل التمييز عن عموم الناس،نظرة استعلاء و علاقة عمودية تسحب ثقة الشعب من نخبته فتحصل القطيعة و يتعالى العنف تجاهها.
3-النخبة و الثقافة:
ان المتابع للواقع الثقافي سيلحظ شدة إرتباطه بالحراك الاجتماعي و المشهد السياسي نظرا لعلاقة التأثر و التأثيرفيما بينها عبر حلقة رابطة و هي النخبة.
و النخبة في المجال الثقافي هي تلك الفئة المنتجة للعلم و المعرفة و المطورة للوعي ، دورها الاساسي يتمثل في الرقابة التى تمارسها على السياسة و الاقتصاد و المجتمع، و رصد كل الاخلالات و تقديم حلول ف"المثقف الحقيقي هو الذي يشارك من خلال تفكيره و تصوراته و مساهماته في المظاهر المتنوعة للحياة الاجتماعية و هو الذي يستطيع ان يشخص علة المجتمع و يبادر الى تقديم حلول"/احمد رواجعية.إنها النخبة التى تمتلك مشروعا يؤمن بالتجديد و التغيير الايجابي في كل الافكار و الرؤى و كل المجالات .و التى"تهدف الى بناء انسان جديد على اسس المواطنة"/حياة حمد.
ان العمل في المجال الثقافي هو دعوة هو دعوة لإنخراط الفكر و الوعي الحر في الإنخراط بالشان العام و الإقتراب من الفرد المواطن لمقاسمته الهموم و التوعية و التحسيس للوصول الى التعايش في مجتمع واع مقاوم للمفاهيم الدخيلة و التصدي للفكر المتعصب درءا للصراعات و مخاطر الإرهاب. فالثقافة الجيدة تنبني على تغيير إجتماعي يكرس الحقوق و الحريات و يضمن تنمية مستديمة بقرارت سياسية لصالح الفرد و المجموعة.
و لا يمكن تحقيق ذلك بصفة كاملة نظرا لسيطرة النخب السياسية على النخب الثقافية وةتسيس الفضاءات الثقافية تغييبا لدورها التنويري بل جعلها مجرد ابواق و تابع تقدم التنازلات في مقابل تثدرها للمشهد الثقافي الا ما ندر. و اصبحنا نرى مجرد نخبة مثقفةةملمعة للنظام السياسي و تمرير افكارها للوصول الى السلطة و اعتبار المثقفين "مجردموظفين في الحكومة"/فؤاد نجم.و لا يرتقي ذلك لتطلعات المجتمعات و ان "بعض المثقفين إختاروا الصمت كوسيلة للتعبير عن رفض الواقع فيما فضل الاخرون الاخرون الفرار بجلدهم الى باقي ارض الله ممن لا يتقنون فن الصمن"/فوزي سعدالله.
يبقى الحل الوحيد لازمة المثقف و الثقافة هو القيام بثورة قكرية ثقافية تلغي علاقة الهيمنة او الهروب بين نخبة السياسة و نخبة الثقافة و الحد من سياسة خداع الشعوب بألعاب الكلام و الشعارات و تكريس مبدأ العدل لانه مفتاح كل نهضة.
تبقى النخب تلك القادة التى تمتلك مشاريع اصلاحية تنويرية تحتاجها المجتمعات في كل عصر فهي واجهة ريادة كل مجتمع و رفاهيته و يبقى الانسان محور كل النضالات.
عواطف محجوب