تونس تعيش أكبر أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث مسجلة أكبر نسبة انكماش في ظل الأزمة الصحية وتراجع الاستثمارات الأجنبية.
تزايدت ضغوط الأوساط الاقتصادية على السلطات التونسية من أجل تسريع اعتماد سياسات جديدة لتحفيز النمو، من خلال هيكلة القطاعات الاستراتيجية ودعم أدائها مع العمل على إصلاح الاختلال في التوازنات المالية ووضع خطة لزيادة الاستثمارات وإنعاش سوق العمل.
تونس - بعث خبراء تونسيون بإشارات سلبية تحذر من تداعيات عميقة ما لم يحدث تغيير جذري وبشكل سريع في الوضع الاقتصادي المتذبذب، لاسيما مع استمرار ضبابية المشهد السياسي عقب القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد أواخر الشهر الماضي.
ويعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن البلاد في حاجة ماسة إلى اعتماد تدابير واضحة المعالم لكي تدفع بأداء القطاعات المتضررة وتنعش المالية العامة وتحرك المشاريع الحكومية المعطلة وتوقف توريد الكماليات لكبح العجز التجاري أكثر ما يمكن.
وتعيش تونس اليوم أكبر أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث بعد الاستقلال، حيث شملت مظاهر الأزمة تسجيل أكبر نسبة انكماش غير مسبوقة العام الماضي في ظل الأزمة الصحية وتراجع جاذبية تونس للاستثمارات وخاصة الأجنبية وعجز كبير في المالية العامة إلى جانب ارتفاع مستويات البطالة والفقر.
وتأتي هذه المبادرة بعد أن أظهرت بيانات حديثة نشرها المعهد التونسي للإحصاء أن الناتج المحلي الإجمالي لتونس انكمش بواقع اثنين في المئة خلال الربع الثاني من 2021، مقارنة بانكماش بنحو 1.7 في المئة في الربع الأول.
وجاء هذا الانكماش نتيجة تراجع قطاع الفنادق والمطاعم بنسبة 35.2 في المئة والنقل 20.9 في المئة والبناء والتشييد بنحو 17.1 في المئة.
وأشار المنتدى في وثيقة نشرتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية الاثنين تضمنت خارطة طريق للخروج من الأزمة إلى أن هذه الإجراءات ستتيح على مدى عامين رفع الموارد الذاتية للدولة إلى 70 في المئة من إجمالي الموارد المتاحة بنهاية 2021 لتتجاوز 75 في المئة سنة 2022 وعلى ألا تتخطى نسبة الاقتراض 20 في المئة.
ويرى المنتدى كغيره من المنظمات الأخرى وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر نقابة عمالية في البلاد وكذلك الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة أنه يجب على المدى المتوسط، الذي يتراوح من عامين إلى ثلاث سنوات، تعزيز الحزمة الإصلاحية المتعلقة بدعم الموارد الذاتية للدولة بأخرى سيسهم في النهوض بالقطاع الزراعي وتدعيم الشركات الحكومية ومراجعة الاتفاقيات التجارية.
وتتمثل تعبئة الموارد الذاتية، أساسا، من خلال استرجاع مستحقات الدولة المقدرة بنحو 12.6 مليار دينار (4.5 مليار دولار) والتعجيل باسترجاع 25 في المئة منها قبل حلول سنة 2022 مع تشديد الإطار القانوني الذي يسمح بتحقيق ذلك.
وتشكو موازنة الدولة من ارتفاع نسبة موارد الاقتراض من إجمالي الموارد حيث ارتفعت من نحو 20 في المئة بين عامي 2010 و2015 لتصل إلى 29 في المئة في الفترة الفاصلة بين عامي 2016 و2020 وسط ترجيحات بأن تبلغ قرابة 37 في المئة مع نهاية هذا العام.
ولطالما دعت الأوساط الاقتصادية إلى التخفيف من الإعفاءات والامتيازات الضريبية التي بلغت ملياري دولار أي ما يعادل 4.9 في المئة من الناتج المحلي الخام لعام 2019 حسب تقرير النفقات الجبائية والامتيازات المالية الملحق بمشروع قانون المالية لسنة 2021.
ويرى خبراء المنتدى أنه يفترض ألا يتجاوز حجم الحوافز الضريبية اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع العمل بالامتيازات في إطار علاقات تعاقدية بين الدولة والمستثمرين يقع على أساسها التزام الأطراف المستفيدة بتحقيق الأهداف التنموية.
ويعد إنعاش سوق العمل من أهم التحديات التي تواجه تونس، حيث أظهرت بيانات معهد الإحصاء شبه استقرار في نسبة البطالة في الربع الثاني للعام الحالي عند مستوى 17.9 في المئة مقارنة مع 17.8 في المئة في الربع الأول.
ولا تزال مشكلة التهرب الضريبي تشكل صداعا مزمنا للدولة، خاصّة وأنّه يشمل قرابة نصف عدد المطالبين بدفع الضرائب الذين بلغ عددهم 734 ألف شخص دون احتساب الذين يعملون في السوق السوداء.
وبحسب المنتدى، يتوزع المتهربون من دفع الضرائب على 302 ألف فرد و63 ألف مؤسسة اقتصادية مما أدى إلى فقدان موازنة الدولة أكثر من مليار دولار سنويا.
وتترسخ حقيقة أن تونس تحتاج لمعجزة للخروج من دائرة النظرة الدولية السلبية في تصنيف أوضاعها الاقتصادية، والتي تتفاقم بفعل مخاطر انحسار السيولة النقدية بعد أن وضعتها وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الشهر الماضي في قائمة المراقبة السلبية.
ويؤكد خبراء أن خفض فيتش تصنيف تونس طويل الأجل لمصدر العملات الأجنبية من بي إلى بي سالب مع نظرة مستقبلية سلبية لم يكن مفاجئا، خاصة وأن وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال قد حذرت في مايو الماضي من أن تخلف البلد عن سداد ديونه قد يكلف القطاع المصرفي ما يصل إلى 7.9 مليار دولار.
وذكرت فيتش حينها أن خفض التصنيف والتوقعات السلبية لتونس يعكس زيادة مخاطر السيولة المالية في ظل الضبابية التي ترافق عملية الإصلاح الاقتصادي، مع المزيد من التأخير في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي.