أستاذ الحضارات إلياس الحلبي يؤكد أن الصراع الداخلي بين معتقدات الإنسان وما يريده وما يعيشه يعبر عنه أحيانًا في شكل جنوح ومغالاة تنعكس على الوعي للذات وللآخر.
الإسكندرية (مصر) – شهد اليوم الثاني من مؤتمر “العالم ينتفض: متحدون في مواجهة التطرف”، الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية في الفترة من 17 إلى 19 يناير الجاري، جلسات متوازية شارك فيها باحثون ومفكرون وخبراء دوليون متخصصون في قضايا التطرف، وتناولت الجلسات وضع المرأة، دور الإعلام، التنوع الديني والثقافي، رصد خطابات التطرف، واستطلاعات الرأي.
وتحدث في جلسة التنوع الديني الثقافي كل من إلياس الحلبي؛ أستاذ الحضارات بجامعة بلمند في لبنان ومدير مشارك في مركز الشيخ نهيان للثقافة، ومن السعودية الدكتور عبدالله الخطيب؛ أستاذ مشارك في جامعة الملك بن عبدالعزيز، والمطران منير حنا؛ رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية بمصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي، وأدارت الجلسة الدكتورة نيفين مسعد؛ أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة.
وفي كلمته، قال إلياس حلبي إنه في الحديث حول العلاقة بين التنوع والإرهاب، لا بد من محاولة تفكيك الآليات الذهنية التي أدت إلى تشكيل هذا الموقف المتأزم وما يتبعه من جنوح للإرهاب، وأنه كي نستطيع فهم الموقف لا بد أيضا من التعرض إلى قضايا وعي الإنسان بذاته وبالآخر والواقع من حوله والسلطة والصراع الذي يدفعه إلى اتخاذ موقف سلبي من موضوع التنوع.
وأكد أن رفض التعددية راجع إلى مفهوم الهوية الذي يتم حصره في الكثير من الأحيان في الهوية الأحادية التي لا يستطيع فيها الشخص أن يتقبل أن تكون لديه هوية مركبة لها عدة جوانب؛ مما يؤدي إلى خلق حالة صراع داخلي لدى صاحبها تدفعه إلى الاختزالية ، بمعنى أن يختزل الشخص المحددات الكثيرة للهوية في الهوية الدينية والنزول إلى مستوى أدنى وهو الهوية الطائفية.
وأضاف أن الصراع الداخلي بين معتقدات الإنسان وما يريده وما يعيشه يعبر عنه أحيانًا في شكل جنوح ومغالاة تنعكس على الوعي للذات وللآخر، لهذا لا يستطيع الإنسان تقبل التنوع أو التعايش معه بل والسعي لإزالته وصولًا إلى الصفاء في كل شيء، مشددا على أنه كي نفهم العلاقة بين التعددية والإرهاب والتطرف لا بد من أن نفهم مفهوم الاختزالية بمعنى أن يختزل الله في صورة تخدم فكرة معينة، أو اختزال النص الديني في الآيات التي تخدم أغراضا محددة، واختزال التفسير لتقديم التبريرات المطلوبة التي تدعم التطرف والمغالاة، بالإضافة إلى اختزال مقاصد الله من الخلق لخدمة المشروع الذي يلبسه المتطرفون إلى الله.
وتابع أن التفكير الاختزالي يؤدي إلى النظرة الأحادية للذات ورفض التنوع؛ فيجنح الإنسان إلى الأصولية الدينية التي تعطيه الحصانة والوكالة الحصرية كي يكون الناطق الرسمي باسم الله والمنفذ لإرادته، وعندما يصطدم هذا الشخص بواقع مغاير يتحول من الأصولية إلى التطرف بالتفسير وفرضه على الأخرين ويجنح للعنف. ويرى حلبي أن صفة التنوع هي النقيض لفكرة الاختزالية؛ حيث تفتح فكر الإنسان على تقبل أفكار جديدة وتقبل الآخر وأن يعي سعة رحمة الله وحقيقة أن الله خالق الكون كله، وأن مصائر الخلق مرتبطة بإرادة الله لا إرادة المتطرفين.
وتعرض المطران منير حنا في كلمته إلى المشروعات المشتركة التي جمعت بين الكنيسة والأزهر في مصر ومشروع بيت العائلة المصرية، وضرورة نقل الحوار من كونه حوارا نخبويا إلى رجل الشارع البسيط، بحيث يكون هناك حوار حياتي عملي يومي بعيدا عن المستوى الأكاديمي، مؤكدا أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام بين الشعوب إلا بالسلام بين الأديان وأن هذا الأخير لن يتحقق إلا بالحوار الذي أصبح ضرورة حتمية لمواجهة التطرف والإرهاب، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر.
وأشار إلى أن الكنيسة الأسقفية في مصر وقعت العديد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون مع الأزهر الشريف، تم على إثرها إجراء العديد من اللقاءات الدورية، وإصدار عدة كتب حول ثقافة الحوار وتصحيح الصور المشوهة والقضايا ذات الاهتمامات المشتركة، إلا أن ذلك كله لم يمنع موجات العنف من أن تكمل مسيرتها بل وتزداد.
ومن جانبه، أوضح عبدالله الخطيب إلى أن العديد من الدول أعلنت فشل سياسات التعددية الثقافية؛ وكانت أولها ألمانيا عندما صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن مقاربة التعددية الثقافية قد فشلت بشكل مطلق في ألمانيا، تبعها بعدة أشهر تصريح من قبل رئيس وزراء بريطانيا حينذاك، ديفيد كاميرون، قال خلاله أن التعددية فشلت في بريطانيا، وأن المملكة المتحدة بحاجة إلى هوية قومية أقوى حتى لا يلجأ الناس إلى التطرف، ثم تلتها فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية. وأرجع الخطيب أسباب فشل سياسات التعددية إلى الخطورة التي تشكلها تلك التعددية من وجهة نظر بعض الحكومات، والتجاور الشكلي للثقافات دون أن يكون هناك تفاعل حقيقي خارج إطار النفعية، وانكفاء بعض الثقافات على نفسها، مما خلق بيئة خصبة لنمو التطرف والتشدد.
فيما تحدث زكي ميلاد، من السعودية، عن أن أحداث التطرف كشفت عن أزمة حقيقية في ساحة الفقه الإسلامي، ولولا هذه الأزمة لما وصل التطرف إلى ما آل إليه من هذا الاتساع والامتداد، لافتا إلى أن الجديد في الأمر لا بد أن يكون في تغيير طريقة التعامل مع الأزمة والاعتراف بحجمها، والعمل على تبني خطوات غير تقليدية وأكثر فعالية، فضلا عن التخلي عن الخطاب البياني والجدلي، إلى جانب الانخراط الجاد في مواجهة الأزمة وإعلان حالة الطوارئ الفكرية والدينية بأعلى درجاتها، لتفتيت الأزمة وتشريحها بخطوات فعالة.
وفي جلسة وضع المرأة، لفتت أم العز الفارسي، أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية في ليبيا، إلى “أن الأمم المتحدة تطرقت إلى موضوع النساء والتطرف، حيث لا بد من وضع آليات لهيمنة الإرهاب الذكوري، وعلينا أن نحمل المرأة مسؤولية كاملة لمواجهة الإرهاب، فالله متعها بالعقل مثل الرجل تماما”، وأن “هناك نساء التحقن بالمنظمات المتطرفة وليس الرجال فقط والنساء لهن نفس الدوافع؛ منها تهديدات الهوية العرقية والسياسية من مستقبل مجهول”.