انتقد خبراء ومختصون في الجزائر، تخلف البورصة المحلية عن الاندماج في الدورة الاقتصادية الوطنية، رغم محاولات الحكومة خفض التبعية المطلقة لريع النفط والسعي لخلق اقتصاد بديل. وأكدوا لـ”العرب” أن البورصة بقيت بعيدة عن اهتمامات الحكومة، وبعيدة عن دورها في استقطاب الاستثمارات وتحريك عجلات النشاط الاقتصادي.
الجزائر- أقر مدير بورصة الجزائر يزيد بن موهوب، بتخلف وضعف البورصة مقارنة بنظيراتها في المنطقة، وابتعادها عن أداء دورها في تحريك الاستثمارات والتمويل. وقال إن ذلك يجعلها حلقة مفقودة في خطط الحكومة لتنويع الاقتصاد للتحرر من تبعية إيرادات قطاع النفط والغاز، رغم بحث الحكومة المضني عن مصادر تمويل الموازنة العامة واستقطاب رؤوس الأموال.
وتعتبر بورصة الجزائر، واحدة من أضعف المؤسسات المالية في العالم، حيث تشير التقديرات إلى أنها تحتل المركز قبل الأخير في ترتيب البورصات العالمية. ويعكس مقرها المهترئ الواقع بحي عميروش في وسط العاصمة، وتجهيزاتها البدائية، مكانتها ودورها في معادلة الاقتصاد المحلي. وربط مدير البورصة بين دورها الضعيف في النشاط الاقتصادي والظروف التي أحاطت بنشأتها في العام 1997، وبين طبيعة الاقتصاد المحلي القائم على مخططات مركزية خماسية، تستند إلى تمويل الخزينة العمومية، إضافة إلى غياب ثقافة التداول وتجارة الأسهم في الوسط الاقتصادي المحلي وتحفظ كبرى المؤسسات على المجازفة والانفتاح.
وأكد بن موهوب لوسائل الإعلام المحلية، أن “حملات التوعية واستقطاب المؤسسات المالية، التي أطلقتها إدارة البورصة لم تحقق الأهداف المنتظرة، بسبب تشابك المعوقات”. وأشار إلى غياب الاستعداد لدى الأطراف الاقتصادية الفاعلة لتنشيط السوق المالية وتنمية التداول وتجارة الأسهم، لكنه أعرب عن أمله في “تذليل الصعوبات واستقطاب وإدراج 40 مؤسسة في بورصة الجزائر في المستقبل”.
وتعد بورصة الجزائر من أفقر بورصات العالم وأقلها نشاطا، بسبب إهمال دورها واقتصار نشاطها حتى الآن على خمس مؤسسات حكومية فقط، في ظل غياب المرونة الاقتصادية والإدارية، التي عطلت انبعاث نشاط البورصة. والشركات الخمس المدرجة، هي مؤسستا صيدال بيوفارم لصناعة وتسويق الأدوية وشركة أليانس للتأمين والأوراسي للفندقة وأن.سي.أي رويبة للمشروبات والعصائر. ولا تزال البورصة تنتظر إدراج 7 مؤسسات أخرى منذ العام 2013.
وشدد الأكاديمي والخبير والمالي إلياس كرار، على أن آليات عمل البورصة الجزائرية، مازالت بعيدة كل البعد عن المعايير الحديثة، وتحتل مركزا متأخرا في ترتيب بورصات العالم. وقال لـ”العرب” إن ذلك ليس وليد الصدفة، بل ناتج عن تراكمات على مدى سنوات طويلة، إضافة إلى الذهنية التي لا تستوعب حتى الآن نشاط البورصة ودورها في تحريك رؤوس الأموال وعجلة التنمية المحلية في البلاد.
وأشار كرار إلى غياب الشروط والأبجديات اللازمة لنمو البورصة وأسواق الأموال، وعلى رأسها ثقة الفاعلين الاقتصاديين، والحوكمة الرشيدة التي تحفز أطراف المعادلة على أداء دورهم في النشاط المالي. وأكد على “ضرورة التحرر من هيمنة التسيير الإداري والبيروقراطي، وترك حرية المبادرة والقرار للأطراف الاقتصادية، إضافة إلى تيسير الوصول إلى البيانات والمعلومات الاقتصادية من خلال قنوات اتصال محترفة في هذا المجال”.
وانتقد كرار مواصلة إدارة بورصة الجزائر فرض أسعار البيع والشراء خارج إطار قوى العرض والطلب في السوق، إلى جانب جمود نشاط التداول وعدم انفتاح المؤسسة على الفاعلين الاقتصاديين. وذكر على سبيل المثال أن سعر سهم فندق الأوراسي لا يتجاوز خمسة سنتات، في حين أن أصوله العقارية فقط تفوق ذلك بكثير، لأنه يقع على مساحة 10 آلاف متر مربع في موقع استراتيجي بقلب العاصمة.
ولا تزال البورصة في آخر اهتمامات الحكومة، رغم عجز الخزينة العمومية عن تمويل النشاطات الاقتصادية، وهو ما يعكس مدى انغلاق المؤسسة الاقتصادية الجزائرية وهيمنة الضبابية والمعاملات المثيرة للشكوك، واستمرار غياب الإرادة السياسية لبناء اقتصاد وسوق مالية قائمة على الشفافية والحوكمة. وحاول مدير البورصة تبرير تردد المؤسسات الاقتصادية في البلاد في الانخراط في نشاط السوق المالية، بارتباط المؤسسات الاقتصادية الخاصة بالطابع العائلي، الذي يرفض الانفتاح على تداول الأسهم مع أطراف أخرى.
وأقر بأن النمـط الاقتصـادي في البـلاد يشكل عائقا أمـام المؤسسات الحكـومية الكبـرى، بسبـب هيمنـة القـرار الإداري، إضـافة إلى عـدم الاستعـداد للتكيـف مـع الشـروط التي تمليها عملية الانخراط في السوق المـالية. وتأمل إدارة البورصة في استقطاب المزيد من المؤسسات، لتنشيط دورة السوق المالية، من خلال الانفتاح على الفاعلين الاقتصاديين، وهي العملية التي بدأها برنامج “شبابيك للبورصة” على مستوى الوكالات المصرفية في مختلف مناطق البلاد.
ويهدف البرنامج إلى التقرب أكثر من المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين والجمهور العريض، إلى جانب توقيع اتفاقيات تعاون مع بورصات دول الجوار. كما تعمل البورصة على تفعيل ترخيص مجلس مساهمات الدولة في عدد من المؤسسات الحكومية الكبرى لطرح أسهمها في البورصة، مثل بنك القرض الشعبي وثلاثة مصانع إسمنت تابعة لمجموعة إسمنت الجزائر والشركة الوطنية للتأمين وإعادة التأمين، وشركة كوسيدار، وهي إحدى الشركات الحكومية للبناء والأشغال العامة والري ومؤسسة “هيدرو مناجمنت ” وشركة الاتصالات النقالة موبيليس.