الإهداء: إلى الشهداء أكرم ما في الدنيا وأنبل بني البشر، وإلى الشرفاء الأحرار وزينة الحياة، وبناة المستقبل، وإلى حملة الأقلام الذين ارتقوا في الكتابة الحرة المقاومة
«إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين.. لا أن نغير القضية». (غسان كنفاني)
-فلسطينية العينين والإسم/فلسطينية الأحلام والهم/فلسطينية الميلاد والموت (محمود درويش)
-الأدب روح تمرد، وامتداد مقاومة من ضفة الثورة على الجمود والتخلف والظلم والقهر إلى ضفة الاستشهاد تمرداً ومقاومة واستشهاداً من أجل العقيدة والهوية والانتماء والحرية والكرامة والعيش في ظل أمن من جوع وخوف.. (الكاتب)
-الأدب روح تمرد،وامتداد مقاومة من ضفة الثورة على الجمود والتخلف والظلم والقهر إلى ضفة الاستشهاد تمرداً ومقاومة واستشهاداً من أجل العقيدة والهوية والانتماء والحرية والكرامة والعيش في ظل أمن من جوع وخوف.. (الكاتب)
من منّا لايعرف عبر التاريخ أهمية الأدب المقاوم في مواجهة الاحتلال، وأهمية الشعراء الذين صدح صوتهم فاختلطت المعاناة بمشاعر التمرد، لمواجهة الاحتلال والظلم والاستبداد والتسمك بالهوية والأرض.
وكما هو معروف بأن الأدب المقاوم مصطلح وضعه الأديب الفلسطيني غسّان كنفاني، ليصف الأدب الذي بدأ يُكتب في فلسطين المحتلّة عام 1948، بعد حرب النكبة حيث نادى بالوصول للحرية والاستقلال.
نعم، المقاومة بهذا الفعل واجب وضرورة لأنه مفروض على كل إنسان إعلاء القيمة الحقيقية بالمقاومة والتعبير عن الوفاء للوطن.
الحياة مقاومة للموت ولكل ما يشكل موتاً في الحياة من فساد وانحلال وضمور قيم وضمائر ومسؤوليات وملكات.
الحياة مقاومة مستمرة، والفكر والأدب، في بعض الأوقات والحالات، نسغ تلك المقاومة الذي يسري في شعاب القلب والروح ليبعث الحيوية ويجدد الحياة ويحرّض على فعل المقاومة.
وحين يتعرى القلب، وتتشقق جذوع الروح، وتقف هيكلاً عظمياً باهتاً مرمدّاً يقاوم الهلاك والتهالك والتهافت والسقوط، يسري سحر كلمة صادقة منقذة ليبدع الحياة ويبعثها إرادة حرة متوثبة، ولينعش هيكل الروح فيخضرّ ويخضَلّ ويزدهر ويقبِل على ما في الكأس من بقية، حتى وهو يغالب ترسبات الحنظل فيها.
والأدب روح تمرد، وامتداد مقاومة من ضفة الثورة على الجمود والتخلف والظلم والقهر إلى ضفة الاستشهاد تمرداً ومقاومة واستشهاداً من أجل العقيدة والهوية والانتماء والحرية والكرامة والعيش في ظل أمن من جوع وخوف.
ولو تلمّسنا في الأدب الرفيع والإبداع الذي يستحق اسمه، معالم الأهداف والمعاني والدلالات، لما وجدنا إلا مواقع القيم ومقوماتها مما يسترعي الاهتمام ويشكل خريطة الإبداع الحق
ومنظومات القيم في الأدب تكاد تشكل أهم مقوماته، من قيم الخير والحق والعدل والحرية إلى قيم الجمال والبديع والبيان الساحر والمنطق المسكوب حكمة وتعقلاً، وما تمثله المتعة العالية من حضور في قلب وعقل وروح تشكل السعادة لها هاجساً وتطلعاً وأملاً.
ما أريد أن أقول ؟
أردت القول أن المقاومة ليست ورقة تذروها الرياح، بقدر ما هي شجرةٌ تضرب جذورها في الأرض عميقًا، ومهما اختلفت أشكال المقاومة إلا أنها بالنهاية تقود إلى هدف واحد، ولذا كان الشكل الثقافي في المقاومة بمثل أهمية المقاومة المسلحة، وهما عاملان مُترافقان يكمل أحدهما الآخر، وشكَّل أدب المقاومة على وجه الخصوص حلقة جديدة في سلسلة التاريخ بتطوُّره السريع الذي واكب متطلبات الوضع، ولكن الذي ميَّز الأدب المقاوم هو ظروفه القاسية بالغة الشراسة التي واجهها وتحداها.
إن تناثر الكلمات الفلسطينية في الكتب عبر أرفف مكتبات العالم هي ليست حالة شتات الشعب الفلسطيني ذاتها لما بعد النكبة، وفي الواقع تعمل الحالة الأولى للكلمات كأنها قوى مضادة للحالة اللاحقة للشتات من خلال التأكيد على قوة تحمل الفلسطينيين والتعبير عنها.
لقد تواتر الحديث عن الهوية الفلسطينية وضرورة الحفاظ عليها في ظل الاحتلال الإسرائيلي مع تزايد وتيرة أدب المقاومة والتوكيد عليه، علمًا أنه تشكَّل في الفترة ما بين نزوح الفلسطينيين عام 1948 وحرب الأيام الستة عام 1967، ما ميَّز الهوية الفلسطينية بطابع فريد منذ ذاك الحين، واستمر حتى الوقت الحالي. والرائع في أدب المقاومة هو التعبير بحرية دون خوف عن الأهوال والجرائم التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني من قبل المحتل الصه..يوني. وكان الكاتب الفلسطيني غسان كنفان -كما أشرنا- هو من قام بسبك مصطلح أدب المقاومة »وعرّفه بأنه الأدب الذي يقاوم القمع والاحتلال الإسرائيلي وينادي بالحرية والاستقلال، على الرغم من وقوع البلاد تحت طائلة المحتل. وفي كتابه «أدب المقاومة في فلسطين المحتلة» يؤكد غسان كنفاني أن أدب المقاومة في فلسطين يمكن اعتباره إلى حد ما ضربا من ضروب المقاومة المسلحة، وهو بمثابة حلقة في سلسلة تاريخ متواصل، لم يستطع أحدهم قطعه طوال نصف قرن من حياة الفلسطينيين، إلا أن نصف القرن هذا في عصر غسان كنفاني قارب في الوقت الحالي القرن من الزمان.
وإذن؟
أن الأدب المقاوم إذا، يرتقي في معراج القيم إلى كل ما هو صاف ونبيل وسام لتحقيق كرامة الإنسان وحريته وطمأنيته، وفي ضوء ذلك فإن الناس قديماً وحديثاً شغفوا بأدب المقاومة وظهرت تجلياته بأنماط شتى ومضامين عدة، وما زالت عبقرية المبدعين تبتكر أنواعاً ومضامين جديدة تساير ارتقاء الحياة والحضارة، فهم يتوقون إلى هذا النمط الذي يؤكد التزامهم الثابت بقضايا مجتمعاتهم وهمومها وطنياً وقومياً وإنسانياً، وبهذا فإن الأدب المقاوم على الرغم انه ركَّز على المقاومة الفلسطينية المعاصرة يحمل في ذاته ملامح العام والخاص فضلاً عن أن طبيعته تتألق بروح الجذب والإثارة، ويتصف مضمونه بروح الجوهر المشرق والمثير للدهشة والمتعة، ويتصف بالثورة والتمرد على كل أشكال التقهر والظلم والاستبداد والاحتلال.
لقد قال الشاعر الراحل محمود درويش: ما أعظم الفكرة وما أصغر الدولة. والاديب هو حامل الفكرة والمدافع عنها ومبدؤها الاول. وقد اتسعت رؤيا الأدباء الفلسطينيين بفعل انتمائهم، وبلغة الإبداع، لتحمل فيض التعبير عن الوفاء للأرض، وشكلت عباراتها وتعابيرها الخاصة الوجود الحتمي والفني، كما نرى في إبداعات الرعيل الاول، إبراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود، حنا ابو حنا، هارون هاشم رشيد، يوسف الخطيب وغيرهم. وتجلت صوفية العلاقة التوحدية في معالم الوجود الفلسطيني، حتى غدت إشارتها الترميزية آفاقاً لحق التعبير عن الارض.
والإنسان، بإبداعات معاني الحالات في رحلة روحية تتلخص فيها تجربة الحلول.
واذا كانت الثورة في جوهرها ايمان بامكانية تحقيق العدل في هذا العالم كما يقول رجاء النقاش، فإن الثورة الفلسطينية عمقت تجربة الابداع بشمولية الفعل التراجيدي، ووحدته، مرتكزة حول الانا في مبدأ الوحدة، ليصبح حضور الكاتب الملتزم معادلا لموقف فني.
على سبيل الخاتمة:
الأدب شعراً ونثراً ابن الذات المبدعة شعوراً ورؤية وخيالاً، فهو إلماعة ذهنيـة مـضمخة بالانفعـال الـذي يـرف علـى الـشجن الـدافئ.. ويتربـع الأدب المقاوم على عرش هذا الأدب في كل زمان ومكان، لِما يتصف به من الانـدماج في كينونـة الجماعـة والأرض، ولاسـيما عنـدما تطـوف اللحظـة الزمانيـة في تمجيــد القــيم الأصــيلة الـتي يتواضــع عليهــا المجتمــع أو تتعهدها الرسالات السماوية بالحفاوة توقيفاً وتوفيقاً كما هو حال المفهوم الإسلامي للشهادة أو النصر بوصفهما إحدى الحسنيين.
فـإذا كـان الأدب عامـة فنـاً جمـيلا، فـإن الأدب المقـاوم يـصطبغ بهـذا الجمال في الوقت الذي يحمل رسالته ووظيفته في طبيعته الفنية.
لهذا فإن إشراقات الأدب المقاوم ترتقي معراج القيم إلى مصافي التعبير عن كل ما هو نبيل وسامٍ لتحقيق كرامة الإنسان وحريته وطمأنينته، ما يعني أنها استكناه لأسرار الحياة الخيّرة وخلودها كل زمان ومكان لأنها تنبثق من مفهوم العزة والحرية والاستقلال والسيادة.
وبهـذا فـإن الأدب المقـاوم -علـى الـرغم مـن أنـه ركـز علـى المقاومـة الفلسطينية المعاصرة- يحمل ذاته ملامح العـام والخـاص، فـضلا عـن أن طبيعته تتألق بروح الجذب والإثـارة، ويتـصف مـضمونه بـروح الجـوهر المشرق والمثير للدهشة والمتعة، لأنه يتصف بالثورة والتمرد على كل أشكال القهر والظلم والاستبداد والاحتلال.
ووأخيراً أقول: حسبي أنني حاولت الاستجابة لصوت الواجب النضالي إذ ناداني إلى ساحة الأدب المقاوم رغبة تقرير مواقف الكرامة والبطولة خدمة للأجيال وللوطن والأمة، وحباً بهذا النمط من الأدب الصادق والرفيع.
والله من وراء القصد.
محمد المحسن
كاتب صحفي
* صغت هذا المقال تناغما مع عرس الملتقى العربي لشعر المقاومة (دورة أولاد أحمد..الدورة-13).. الذي يشرف عليه ويدير فعالياته بإقتدار الشاعر والصحفي القدير أ-عادل الهمامي، وتؤثثه كوكبة من شاعرات وشعراء ونقاد ومثقفين نصرة للقضية الفلسطينية ودعما للمقاومة بالكلمة باعتبار الشعر من أهم التعبيرات الفنية الذي يروج للقضايا الإنسانية العادلة.