اختر لغتك

 
هل يلتقط اقتصاد تونس أنفاسه مع عودة إنتاج الفوسفات؟

هل يلتقط اقتصاد تونس أنفاسه مع عودة إنتاج الفوسفات؟

صادرات القطاع أمام فرصة لاستعادة مكانتها في الأسواق الدولية وتقليص جبل الخسائر.
 
يراقب المتابعون في تونس باهتمام كبير انعكاسات استعادة مراكز إنتاج الفوسفات في الحوض المنجمي بولاية قفصة نشاطها بوتيرة عادية على الاقتصاد التونسي في أعقاب القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد مؤخرا على أمل أن يعود الإنتاج إلى طاقته القصوى، وبالتالي تعويض جزء من الخسائر التي تكبدها القطاع بما يعود بالنفع على خزينة الدولة الفارغة.
 
تونس – اتفق خبراء على أن استئناف نقل شحنات الفوسفات بالقطار لأول مرة منذ عام تقريبا في منطقة الحوض المنجمي بعد توقفها عقب احتجاجات أغلقت خط السكك الحديدية تشكل دفعة مزدوجة ستساعد تونس على تحصيل بعض الإيرادات وتعطي رسالة للمستثمرين بأن مناخ الأعمال سيتجه إلى الاستقرار.
 
ولكن حتى يعود الاقتصاد لالتقاط أنفاسه بالنظر لحجم الاختلالات في التوازنات المالية يتطلب بلوغ الإنتاج مستواه الطبيعي عودة العمل في جميع أماكن الإنتاج في الحوض المنجمي الذي يضم مدن المتلوي والمظيلة وأم العرائس والرديف، والتي تستحوذ على نحو 40 في المئة من الإنتاج الإجمالي للقطاع وقطع الطريق أمام أي محاولات لعرقلة نشاطه.
 
ويرى محمد علي الصغير رئيس تحرير مساعد في مجلة “حقائق” المحلية الناطقة بالفرنسية أن تونس في حاجة هذه الأيام وأكثر من أي وقت مضى لكل دينار يدخل إلى خزينتها في ظل شحّ السّيولة التي تعاني منها وانخفاض احتياطاتها من العملة الصعبة والتي بلغت 8.9 مليار دولار نهاية النصف الأول من 2021.
 
وقال الصغير إن “عودة إنتاج الفوسفات إلى سالف عهده هو بمثابة عودة الروح للقطاع الذي فقد بريقه منذ السنوات الأولى للثورة خاصة أن هذا النشاط الاقتصادي يعد الأكثر حيوية وأهم مصدر من مصادر العملة الصعبة”.
 
وأضاف أنه “برجوع الوتيرة الطبيعية للإنتاج فإنه من المؤكد أن يشهد الاقتصاد انتعاشة لطالما انتظرها في ظل ركود كل المؤشرات الأخرى وانهيارها خصوصا مؤشرات السياحة التي تعد رافدا آخر مهما ومفصليا من روافد الاقتصاد”.
 
وتعد تونس من أهم مصدّري العالم لمادة الفوسفات، لكن حجم الإنتاج تهاوى من 8.2 مليون طن سنويا إلى أقل من النصف منذ 2011 بسبب الإضرابات العمّالية والمطالب المرتبطة بتوفير فرص العمل والتنمية وارتباك تسع حكومات متعاقبة في معالجة أزمة أهم قطاع استراتيجي.
 
وبالنظر إلى غياب أرقام حديثة من وزارة الطاقة فقد قدّر البنك المركزي خسائر النقص في الإنتاج بنحو 40 مليون طن خلال العشرية الأخيرة، بينما فاقت الخسائر المالية سقف العشرين مليار دينار (7 مليارات دولار)، لكن المحللين يرون أن الأرقام قد تتجاوز ما يتم الإعلان عنه رسميا.
 
وبحسب بيانات حديثة نشرتها إدارة الإنتاج بشركة فسفاط قفصة المملوكة للدولة هذا الأسبوع فقد قفز المعدّل الشهري للإنتاج من 118 ألف طنّ في الربع الأول من هذا العام إلى 423 ألف طن بنهاية الشهر الماضي بعد أن إستأنفت وحدات الإنتاج الواقعة بكل من المتلوي وأم العرائس وأيضا المظيلة نشاطها.
 
وهذا يعني أنه لو تواصل الإنتاج على هذه الوتيرة مع التغييرات الحاصلة على الساحة السياسية، فإنه لن يتجاوز في أقصى الحالات سقف الأربعة ملايين طن، إلا إذا طرأت قرارات أخرى تتيح رفع سقف الإنتاج إلى قرابة ستة ملايين طن كما كان مخططا في نهاية 2019 أي قبل الجائحة.
 
وبعيدا عن أسباب انهيار قطاع الفوسفات خصوصا أن الكثيرين يعتبرون الحكومات المتعاقبة هي السبب الرئيس في تفاقم مشاكل النقل والعمل داخل مواقع الإنتاج، فإن الصغير يعتقد أن المهم الآن هو كيفية استغلال عودة قاطرات الإنتاج إلى مدارها الطبيعي ومعالجة المشاكل المتفاقمة بطريقة جذرية حتى يستطيع الفوسفات المحلي استرجاع مكانته في الأسواق العالمية.
 
وكانت تونس تصدر نحو 80 في المئة من الفوسفات، إلى أكثر من 20 سوقا خارجية، وبفضل استقرار عمليات الإنتاج كانت تحتل المركز الثاني عالميا، لكن الاضطرابات وعدم تحمل القطاع لأكثر من 30 ألف شخص يعملون بشكل مباشر وغير مباشر دفعت البلاد إلى التقهقهر في الترتيب.وقال إن “العودة تتطلب جهودا جبارة في ظل المنافسة الشرسة للعديد من الدول التي استطاعت افتكاك مكاننا والاستئثار بالأسواق التي كانت حكرا على بلادنا”.
 
ومن أكثر الأمور لفتا للانتباه هو تحول تونس لأول مرة في تاريخها لتوريد هذه المادة لتشغيل المصانع حيث استقبل الميناء التجاري بمدينة قابس جنوب شرقي البلاد في أواخر أكتوبر الماضي سفينة مُحملة بنحو 16.5 ألف طن من مادة الفوسفات، قادمة من الجزائر.
 
واتجهت أصابع الاتهام بخصوص ما آلت إليه أوضاع القطاع إلى لوبي يضم رجل الأعمال والنائب في البرلمان المجمد لطفي علي، حيث حاول تعطيل الإنتاج حتى يتحكم في عمليات نقل الشحنات عبر شركة يمتلك فيها ربع حصصها ما تسبب في خسائر كبيرة للدولة.
 
ويرى الناشط التونسي حازم القصوري أن “تونس تمر بلحظة تاريخية اليوم وأنه من الضروري الآن فتح ملف قطاع الفوسفات برمته حتى لا يمكن توظيفه لخدمة أغراض شخصية ضيقة مع تقديم رؤية مستقبلية لحماية الإنتاج في قفصة للإستجابة لمطالب الناس وتطالعاتهم”.
 
وقال، “هي دعوة إلى القيادة للاهتمام بجدية بكافة الملفات الاقتصادية والضرب على أيادي اللوبيات الفاسدة ورسم معالم خطة وطنية لإنقاذ المشاريع الكبرى للدولة”.
 
واعتبر القصوري مؤسس ورئيس جمعية تونس الحرة أن المداخيل المتأتية من تصدير الفوسفات سوف تساهم في تدارك الإختلالات الكثيرة وتعديل أوتار التوازنات المالية.
 
وأكد أن تحرك عجلة الإنتاج وعودته في تونس “ستمكننا من بناء ثقة جديدة مع شركائنا الإقليميين والدوليين على درب تطوير التعامل والرفع في الإنتاج وهذا مهم وبلادنا تنتفض سياسيا واقتصاديا وصحيا للخروج من الأزمة”.
 
ولم تتمكن حكومة يوسف الشاهد من تنفيذ خططها التي أعلنت عنها في 2017 لتطوير القطاع بهدف بلوغ الإنتاج نحو 15 مليون طن بحلول 2025 أو حتى من توسيع استثمارات المناجم سوى إطلاق مشروع الفوسفات بمنطقة المكناسي بولاية سيدي بوزيد، الذي بدأ فعليا في ماي 2019 بإنتاج 600 ألف طن سنويا.
 
 
قطاع الفوسفات
* 10 في المئة مساهمة إنتاج القطاع في الناتج المحلي الإجمالي سنويا
 
* 7 مليارات دولار خسائر القطاع في العشرية الأخيرة وفق التقديرات الرسمية
 
* 8.2 مليون طن إنتاج البلد قبل 2011 قبل أن يتراجع لأكثر من النصف
 
* 40 في المئة إجمالي ما ينتجه الحوض المنجمي من الفوسفات
 
* 30 ألف موظف وعامل تشغلهم الشركة الحكومية وهو عدد أكبر من طاقتها
 
رياض بوعزة
كاتب وصحافي تونسي
 

Please publish modules in offcanvas position.