ضاعفت قطر رهانها على إيران في وقت يعاني فيه البلدان من عزلة دولية خانقة، حين كشفت طهران أن الدوحة اقترحت مضاعفة التبادل التجاري بين البلدين بأكثر من 5 مرات. ويقول محللون إن اندفاع قطر باتجاه طهران سيفاقم المقاطعة المفروضة عليها بعد أن كانت تلك العلاقات سببا رئيسيا للمقاطعة.
طهران- كشف وزير الصناعة والتجارة الإيراني محمد شريعتمداري أن الحكومة القطرية اقترحت على طهران زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين من أقل من مليار دولار حاليا إلى خمسة مليارات دولار، أي ما يزيد على 5 أضعاف.
ونقلت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية أمس عن شريعتمداري، بعد لقائه السبت بوزير الاقتصاد القطري الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني قوله إن “حجم صادرات إيران إلى قطر سجل ارتفاعا خلال الأشهر الماضية”.
وأكد أن قطر ترغب في الظروف الخاصة في المنطقة في تطوير العلاقات الشاملة مع إيران أكثر من أي وقت آخر. وكشف عن وجود اتفاقيات مبرمة في قطاع الخدمات التقنية والهندسية بين البلدين تصل قيمتها إلى حدود مليار دولار.
من جانبه أكد وزير الاقتصاد القطري أن الحكومة الإيرانية تؤدي دورا مهما في وصول السلع من الدول الأخرى ومنها تركيا وأذربيجان إلى قطر عبر الطرق البرية الإيرانية.
ورجّح محللون أن يؤدي رهان الدوحة على طهران ووضع اقتصادها في السلة الإيرانية إلى تشديد المقاطعة المفروضة عليها من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين بسبب دعمها للإرهاب.
وأشاروا إلى أنّ علاقات الدوحة بطهران كانت أحد الأسباب الرئيسية للمقاطعة وأن الهروب إلى الحضن الإيراني سيؤدي حتما إلى تشديد واستمرار المقاطعة لفترة طويلة.
وكان من أبرز المطالب التي قدمتها الدول المقاطعة لقطر، كشرط للعدول عن قرار المقاطعة، إعلان خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران.
ويكشف لجوء السلطان القطرية إلى إيران التي تعاني هي الأخرى من تزايد العزلة الدولية، حجم الارتباك والاختناق الذي تعاني منه بسبب إغلاق جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية مع جيرانها الخليجيين.
وقال شريعتمداري إن “ثمة أرضيات جيدة في الكثير من المجالات متوفرة في قطر يمكن الاستفادة منها لتطوير العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع العالم” وهو ما يشير إلى محاولة طهران استغلال اختناق الدوحة لتخفيف أزمات طهران الاقتصادية.
وأشار إلى أن استضافة قطر لبطولة كاس العالم في 2022 يمكن أن يعزز التعاون المشترك في مجالات البناء والخدمات التقنية.
وكانت الحكومة الإيرانية قد بادرت إلى دعم قطر تجاريا فور فرض المقاطعة عليها في 5 يونيو الماضي. لكن خياراتها أصبحت محدودة وبتكاليف أكبر من الإمدادات التي معظمها يصل من السعودية والإمارات.
وتشير البيانات إلى أن أكثر من 800 شاحنة كانت تصل إلى قطر يوميا عبر المنفذ البري الوحيد الذي تملكه مع السعودية.
ولا تقتصر الأزمات الاقتصادية القطرية على إمدادات الغذاء بل تشمل الكثير من القطاعات الأخرى وخاصة مواد البناء التي كان معظمها يصل من السعودية والإمارات. وأدى غيابها إلى ارتباك وتوقف الكثير من المشاريع وتسريح العاملين فيها.
وتعاني الدوحة من أزمات خانقة بسبب المقاطعة التي أدت إلى انحدار الثقة بالاقتصاد القطري وموجة نزوح الأموال التي أدت إلى أزمة سيولة، رغم تسابق المؤسسات السيادة على ضخ الأموال، التي سرعان ما تتسرب إلى الخارج.
وتظهر البيانات الرسمية أن البنك المركزي القطري ضخ ما يصل إلى 40 مليار دولار منذ فرض المقاطعة وحتى نهاية سبتمبر. ومن المرجّح أن يكون قد واصل ضخ الأموال وبإيقاع أكبر منذ مطلع الشهر الماضي.
ويرجح محللون أن تكون مؤسسات سيادية أخرى قد ضخت مبالغ أخرى إلى جانب الأموال التي ضخها البنك المركزي القطري.
وتشير التقديرات إلى أن حجم الأصول الخارجية التي باعتها الدوحة والاستثمارات التي قامت بتسييلها يصل إلى 40 مليار دولار في محاولة لمعالجة أزمة السيولة المتفاقمة بسبب حركة الأموال باتجاه واحد للخارج.
ويكشف ارتباك الدوحة وتصعيدها للشكاوى من تداعيات المقاطعة حجم التداعيات القاسية التي تعاني منها البلاد، ومن المتوقع أن تتفاقم في ظل ترجيح استمرار المقاطعة لفترة طويلة.
وباءت محاولات الدوحة لطمأنة المستثمرين وإقناعهم بمواصلة نشاطهم بالفشل، رغم تقديم حوافز غير مسبوقة مثل الإيجارات المجانية والإعفاءات الضريبية وقد انعكس ذلك في تراجع حادّ في أسعار العقارات القطرية.
وبدأت أزمة السيولة التي تمس جميع مظاهر النشاط الاقتصادي بالتفاقم في الأيام الأخيرة بسبب ممانعة البنك المركزي والبنوك القطرية الحكومية في توفير العملات بسبب خشيتها من استخدام تلك الإمدادات في المضاربة على انخفاض قيمة الريال.
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد ذكرت أن الدوحة قد تضطر لخفض الإنفاق الرأسمالي على المشاريع الحكومية إذا اشتد الضرر الذي لحق باقتصادها جرّاء المقاطعة.
ويرى محللون أن تغيير نظرة وكالات التصنيف الائتماني إلى الاقتصاد القطري يمكن أن يقوّض الثقة في اقتصادها ويفاقم المتاعب المالية.