تحولت تونس إلى منطقة عبورِ رؤوس الأموال المهربةِ والمشبوهةِ القادمةِ من ليبيا، بحسب ما كشفه تحقيقٌ أجراه موقع "إنكيفادا" التونسي.
كشف التحقيقُ الذي نُشر يوم 24 سبتمبر الجاري أن البنكَ المركزي التونسي مورَطٌ في منحِ غطاءٍ قانوني لعملياتٍ مالية مشبوهة في تونس.
ونشرت "إنكيفادا" مقتطفاتٍ من وثائقَ حصلت عليها تظهرُ مراسلةً سريةً لمسؤولةٍ بالبنك المركزي التونسي تدعى سلوى لاغة وجهتها لمحافظ البنك السابق حذرتْ فيها من احتمالِ تورط المصرفِ المركزي في منح غطاءٍ لعملياتٍ مشبوهة تقوم بها شركةُ تجارةٍ دولية غيرُ مقيمة، ذاتُ رأس مالٍ ليبيّ تعمل في تونس وتسمى "نجمة الشمال".
وجاء التحذير عقبَ تدقيقٍ كشف أن الشركةَ المذكورة قامت بعمليات "مسترابة" انطلاقًا من تونس ربما شملت مخالفاتِ صرفٍ وتجاوزاتٍ جمركيةٍ وشبهات تبييضِ أموال. لكن محافظ البنك المركزي التونسي آنذاك الشاذلي العياري لم يصغِ للتحذيرات بل منحَ الشركة المذكورة تراخيصَ جديدةً، ولم يتوقف عن ذلك حتى فُتِحَ تحقيقٌ من قِبل القطبِ القضائي المالي التونسي.
وبيَّن التحقيق أن السلطاتِ الماليةَ الليبية حذرت من استنزافِ احتياطيه من العملة الصعبة لكن "الجانبَ التونسي اكتفى بدور المشاهدِ السالب لمغسلةِ الأموال الليبية وهي تتوغَّلُ في الساحة التونسية دون أن يحرك ساكنًا".
طرق تحيّلٍ عديدة
وبيَّن التحقيق أن حيلًا كثيرةً يُلجَأُ إليها لتهريبِ الأموال من ليبيا إلى تونس، من بينها "الاعتماد المستندي" الذي يُعتمَد في عملياتِ التجارة الدولية، لكن التلاعبَ بهذا الإجراء مثل أن يكون الموردُ في ليبيا هو نفسُه صاحبُ رأس المال والشركةُ المصدرة في تونس، حوَّلَ العملية إلى مضاربةٍ للعملة بين البلدين بدل القيام بتجارة حقيقية.
وكشف التحقيقُ أن البنكَ المركزيَّ التونسي تلقى من نظيره الليبي طلباً بمراقبة بنوكٍ وشركاتِ تجارةٍ دوليةٍ تونسية وأخرى أجنبية تنشط في تبييض الأموال وتهريب جزءٍ كبير من احتياطي العملة الصعبة في ليبيا نحوَ دولٍ أجنبية مستفيدةٍ من ضعف الرقابة الرسمية.
كما أفاد بوجودِ مراسلاتٍ داخليةٍ ضمنَ البنك المركزي التونسي تكشف "تواطؤاً محتملاً داخلَ المصرف المركزي".
ونشر التحقيقُ وثائقَ تثبتُ "تورطَ شركاتٍ وبنوكٍ تنشط في تونس بالتلاعب بالاعتمادات المستندية بالتواطؤ مع نظيرتها الليبية" إضافة إلى تقصير المصارف والجمارك. بعضُ الفساد المالي شملَ صفقاتٍ فاسدةً تم فيها التلاعبُ بالاعتمادات وعدم عرضِها على لجنة الموافقة بمصرف ليبيا.
استنزاف العملة الصعبة
لم يتوقف التلاعبُ عند هذا الحد، بل تمَّ تزويرُ كشوفاتٍ تتعلق بنقل شحناتٍ وهميةٍ من البضاعة نتجَ عنه تهريبُ عملةٍ صعبة من ليبيا مروراً بتونس.
وقالت إنكيفادا إن البنكَ المركزي رفضَ مدَّها بتوضيحٍ حول شركاتٍ محلَّ شبهة.
ويؤكد البنك الدولي أن حجمَ التهريبِ في تونس بعد الثورة تراوح بين 38 بالمئة و53 بالمئة من الناتجِ الداخلي الخام، وقع تمويلُه من تدفقاتٍ ماليةٍ نقداً عبرَ تحويلاتٍ بنكية واعتماداتٍ مستندية من ليبيا والجزائر.
ونسبةٌ كبيرةٌ من التمويل تم تداولها خارجَ النظام المصرفي، يقول البنك الدولي ليغذيَ سوقَ الصرف الموازي بمواردٍ كبيرةٍ من العملة الصعبة.