تعزيز مناخ الأعمال بقانون يكافح الكسب غير المشروع، وخطط لاعتماد مواصفات دولية قياسية لمكافحة الفساد.
قللت الأوساط الاقتصادية والشعبية التونسية من أهمية المعايير الصارمة التي أقرتها السلطات لحماية المال العام ومكافحة الفساد المستشري في مفاصل الدولة، رغم تفاؤل البعض بأنها ستعمل على وضع أسس “الدفاع الذاتي” لمن هم ضمن دائرتها، بهدف الخروج تدريجيا من هذه الدوامة التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة.
تونس - يترقب التونسيون دخول قانون مكافحة الكسب غير المشروع حيز التنفيذ في منتصف الشهر الجاري بعد ثلاثة أشهر من منح البرلمان دعما كبيرا للحكومة في طريق محاربة الفساد المتفشي في مفاصل الدولة عندما صادق عليه بالأغلبية.
ويلقي اقتصاديون باللوم على التحركات البطيئة للحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 لوضع حد لهذه الظاهرة باعتبارها إحدى المشكلات الرئيسية التي تكبل النمو الاقتصادي، رغم تفاؤل البعض من أن مجرد وجود قانون يحاصر الظاهرة هي خطوة في الطريق الصحيح.
وتعتبر مسألة الحد من الفساد وخاصة في القطاع العام أكبر تحدّ أمام الحكومة، إلى جانب البيروقراطية، التي تعرقل تنفيذ الخطط الاقتصادية، ما يجعل شريحة واسعة من التونسيين لا يثقون في جهود السلطات التنفيذية.
وقال الخبير الاقتصادي معز الجودي، في تصريح خاص لـ”العرب”، إن “القانون الجديد يعتبر آلية لمقاومة الفساد وتبييض الأموال وغيرهما من الممارسات في هذا الإطار والتي ضربت مناخ الأعمال في تونس”.
ولفت إلى أن منتدى دافوس الأخير كان قد صنف مناخ الأعمال في تونس في مستوى سلبي وغير قادر على جلب الاستثمار بسبب الاقتصاد الموازي والتهريب.
ويضم القانون قائمة تتكون من 37 تصنيفا يشمل مسؤولين وقطاعات، من بينهم رئيس الدولة والوزراء وكبار الموظفين في القطاع العام وأجهزة الرقابة والهيئات المستقلة والبنوك والقضاة وأجهزة الأمن والجمارك والأحزاب والنقابات والإعلاميون على الإفصاح عن ممتلكاتهم.
1.8 مليار دولار، خسائر تونس السنوية بسبب الفساد والتهريب والاختلاس، وفق هيئة مكافحة الفساد
وقالت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في بيان الاثنين إنها بادرت بوضع إطار للتنسيق بين هياكل القطاع العام والأطراف المعنية بأحكام القانون استعدادا لحسن تطبيقه وأنها بصدد القيام بالاستعدادات التنظيمية واللوجستية التي تحتاجها عملية تلقي التصاريح بالمكاسب ومتابعتها.
ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية للمديرة العامة بالهيئة، نادية السعدي، قولها إن “موعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ مرتبط بتاريخ صدوره بالرائد الرسمي (المجلة الرسمية) وليس بتاريخ المصادقة عليه بالبرلمان”.
ويشترط بدء سريان قانون التصريح بالمكاسب ومكافحة الفساد إصدار الحكومة لمجموعة من الأوامر، من بينها نموذج التصريح وضوابط هذه العملية بحسب ما نص عليه الفصل 50 من قانون التصريح بالمكاسب، والذي حدد مهلة 60 يوما لإصدار كل الإجراءات الحكومية التي تمهد لبدء العمل بالقانون الجديد الذي يستهدف مكافحة الفساد في البلاد.
وقال رئيس الهيئة، شوقي طبيب، في كلمة خلال مؤتمر حول مكافحة الفساد عقد بالعاصمة التونسية الأسبوع الماضي، إن “تواطؤ مسؤولين كبار في الدولة مع المهربين والفاسدين ساهم في ارتفاع معدل الاقتصاد الموازي ليتجاوز 50 بالمئة”.
وبحسب بيانات الهيئة، تفقد تونس نحو 1.8 مليار دولار سنويا بسبب الفساد المتأتي من التهريب والاختلاس فقط، في حين يقول البنك الدولي إن الدولة تخسر سنويا نقطتين من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الفساد ومثلهما بسبب اللاحوكمة.
ويرى الجودي أن مستوى الفساد ارتفع بالبلاد وأن إصدار القانون سيمكن السلطات من السيطرة على هذه الظاهرة، مشيرا إلى أن الاقتصاد الموازي لا يزال غير خاضع لإطار قانوني يحد من تداعياته السلبية على الاقتصاد.
وانتقد متابعون في تونس البطء في إصدار القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد والتصدي لكل أشكال استغلال المال العام، التي تعتبر من الممارسات التي تزيد من تعميق جراح البلد الذي يسعى للخروج من مشاكله.
وأظهرت بيانات للمعهد الوطني للإحصاء نشرت في شهر أغسطس الماضي، أن 74 بالمئة من التونسيين يعتبرون ظاهرتي الفساد والرشوة من أكبر معضلات البلاد، فيما قال حوالي 63.3 بالمئة إن الفساد متفش في العديد من مؤسسات الدولة.
وبحسب تقرير للمعهد، وهو الثاني من نوعه منذ عام 2014، فإن نحو 55.7 بالمئة من التونسيين يرون أن جهود الدولة في هذا المضمار ذات جدوى قليلة.
ومن المرجح أن تتلقى تونس دعما من منظمة التقييس الدولية (أيزو)، التي تخطط لتطبيق مواصفات قياسية لمكافحة الفساد في البلاد، كما فعلت ذلك مؤخرا مع مصر.
وكانت، باربارا نيجر، الخبيرة في المنظمة قد كشفت لـ”العرب” أثناء زيارتها للقاهرة مؤخرا إن “المنظمة تستهدف تطبيق المواصفات في هيئات التفتيش بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من بينها المغرب والأردن وتونس والجزائر”.
نسرين رمضاني / صحافية تونسية