قبل أسبوعين من حلول عيد الميلاد، تسود فوضى كبيرة شوارع فرنسا بسبب تظاهرات السترات الصفراء وتغلق العديد من المحال أبوابها أمام الزبائن، في ما وصفه وزير الاقتصاد بأنه "كارثة".
ومع اندلاع العنف في باريس السبت، اكتفى ليفيو فورتي السائح الآتي من نيويورك بمشاهدة آليات الشرطة مصطفة في ساحة فاندوم الشهيرة. وكانت محال المجوهرات في الساحة مغلقة فيما أزيل الالماس وغيره من المجوهرات الثمينة من الواجهات خشية تعرضها للنهب.
كانت الرحلة الى فرنسا بمثابة مفاجأة من فورتي لزوجته كارميلا لمناسبة عيد ميلادها التاسع والخمسين، لكن التظاهرات بدلت المشهد تماما. وتقول كارميلا "كل شيء مغلق". وخطط الزوجان للتوجه إلى ساحل النورماندي حيث حارب والد كارميلا في الحرب العالمية الثانية قبل ستة عقود، لكنهما قررا إلغاء رحلتهما بسبب إغلاق المتظاهرين للطرق.
والسبت، كان برج إيفل والمتاحف والمتاجر الكبيرة مغلقة، وكان يفترض أن تكون هذه الأماكن مكتظة بالرواد وخصوصا مع قرب حلول أعياد نهاية العام.
وأصدرت السفارة الأميركية تحذيرا لمواطنيها في باريس داعية إياهم إلى "تفادي الظهور وتجنب التجمعات"، فيما حضت الحكومات البلجيكية والبرتغالية والتشيكية مواطنيها الذين ينوون التوجه إلى باريس على تأجيل سفرهم.
وللسبت الثالث على التوالي، نهبت متاجر في العاصمة الفرنسية وحطمت نوافذها فيما احرقت سيارات في شوارع مدينة النور.
وقال وزير الاقتصاد برونو لومير الأحد إنّ العنف المرتبط بتظاهرات حركة السترات الصفراء التي تجتاح البلاد يشكل "كارثة" بالنسبة الى اقتصاد فرنسا. وقال لومير للصحافيين لدى زيارته محال تجارية في باريس تعرضت إلى النهب "إنها فترة تنتعش فيها التجارة دوما قبل عيد الميلاد ... هذه كارثة بالنسبة للتجارة وكارثة على اقتصادنا". وشدّد الوزير لومير هذا الأسبوع على أن بلاده ستحقق أهدافها الاقتصادية. ووأوضح أن "الرئيس حدد مسارا لاحترام التزاماتنا الأوروبية وتقليل إنفاقنا وتقليل ديوننا وتقليل ضرائبنا. هذا المسار سيتم احترامه". وتعهد لومير تقديم مساعدة مباشرة للمتاجر التي تعرضت للنهب، فيما يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتوجيه خطاب للأمة في مسعى لإنهاء أخطر أزمة تواجهها ولايته.
ولا يبدي متظاهرو السترات الصفراء أي مؤشر الى إنهاء أسابيع من الاحتجاجات على ارتفاع كلفة المعيشة رغم قرار الحكومة تعليق الضريبة على الوقود. ويتهم المحتجون ماكرون بأنّه "رئيس للأغنياء".
ولم تصدر الحكومة بعد تقديرات لحجم الضرر الذي طاول الاقتصاد جراء التظاهرات. لكن توقعات المصرف المركزي للنمو في الفصل الرابع من العام والتي ستصدر الاثنين، ستشكل مؤشرا مبكرا.
من جهته، اورد التجمع الوطني لشبكات الفنادق أنّ حجوزات نهاية العام تراجعت بنسبة 10% على الأقل.
والشهر الفائت، قدّرت وزارة الاقتصاد أن ايرادات شركات الجملة انخفضت بنسبة 15 بالمئة مقابل 40 بالمئة للشركات الصغيرة. وكتب رئيس اتحاد الشركات الصغيرة والمتوسطة فرنسوا أسلين في صحيفة "جورنال دو ديمانش" "كلما كانت الأعمال أصغر، كانت أكثر هشاشة". واضاف "نشعر بالقلق". وتوقع أسلين أن يبلغ حجم الضرر الإجمالي للأعمال المتوسطة والصغيرة نحو 10 مليارات يورو (11,4 مليار دولار). وطالب الحكومة بتقديم الدعم، والمصارف بتقديم تسهيلات ائتمانية لأصحاب الأعمال مع قبولها التأخير في دفع أقساط القروض مع استمرار الأزمة.
وإلى جانب الضريبة التي يتحملها القطاع الخاص، تعرضت الخزينة العامة لضربة كبيرة بفعل التنازلات التي قدمت للمتظاهرين. وقرر ماكرون هذا الأسبوع تعليق زيادة ضريبة الوقود التي شكلت الشرارة الأولى للتظاهرات من جانب العمال والموظفين الصغار من مالكي السيارات في المدن الصغيرة والريف الفرنسي. وهذا يعني عجزا بقيمة 2 مليار يورو (2,3 مليار دولار) في الموازنة الفرنسية. وإضافة لذلك، قرر ماكرون تقديم حزمة مساعدات للأسر المحدودة الدخل بقيمة 500 مليون يورو في محاولة لتهدئة المتظاهرين.
ويسعى ماكرون الى خفض عجز الموازنة الفرنسية إلى 2,8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، وهو أقل بقليل من الحد الأقصى الذي حدده الاتحاد الاوروبي. لكن أي تنازلات إضافية قد تعرض مالية الحكومة للخطر وخصوصا إذا سجل انخفاض في الاستثمارات نتيجة للتظاهرات.
من جهتهم، يحصي اصحاب المتاجر المتضررة خسائرهم. ففي الدائرة السابعة عشرة في شمال غرب باريس، يحصي صاحب محل نظارات طبية بحسرة حجم التخريب الذي لحق بمتجره. وكان اصحاب المتاجر توقعوا أن تظل هذه المنطقة البعيدة عن وسط المدينة السياحي في منأى من أعمال الشغب. لكن صاحب المحل قال بضيق "لقد أخذوا كل شيء. كل شيء".
المصدر: وكالات