التشعب الإداري وتعدد القوانين يكبلان مناخ الأعمال ويجعله طاردا للمستثمرين، ونفوذ لوبيات الفساد في القرار السياسي يعرقل الإصلاحات.
اتسع الجدل في تونس بشأن حاجة الحكومة لتعزيز إيراداتها لمواجهة الاختلالات المالية المتفاقمة من خلال وضع حد للتهرب الضريبي، الذي كبد خزينة الدولة خسائر كبيرة منذ عام 2011 وفي ظل ضغوط داخلية وخارجية لاعتماد إصلاحات عاجلة.
تونس – تزايدت ضغوط الأوساط الاقتصادية التونسية في الآونة الأخيرة على الحكومة من أجل دفعها إلى الإسراع للنظر في كيفية إعادة هيكلة النظام الجبائي لمحاصرة التهرب الضريبي.
ومن بوابة العوائد الضريبية تبدو تونس مضطرة للبحث عن نوافذ جديدة وفق معايير مستدامة لدعم خزينة الدولة ومواجهة الاختلالات المالية المتفاقمة.
ورغم ترسانة القوانين، التي تعززت في السنوات الماضية في هذا المجال، إلا أنها أتت بنتائج عكسية، كما أن الجهات الرقابية لم تتمكن من السيطرة على مكامن الخلل.
وشكلت هذه النقطة أحد محاور لقاء نظمه المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، الذي دار قبل أيام، جمع خبراء اقتصاد لبحث الوسائل الناجعة لحث الشركات وأصحاب الأعمال على الالتزام بدفع الضرائب.
واعتبر فاضل بن عمران عضو لجنة المالية في البرلمان أن الضغوط الجبائية الكبيرة، حاليا، من الأسباب الرئيسية لتنامي ظاهرة التهرب الضريبي، مشيرا إلى أن هذا العبء يؤدي أيضا إلى تراجع مستوى الادخار.
وتشير المعطيات إلى أن مستوى التحصيل الضريبي ارتفع العام الماضي ليبلغ 23 بالمئة، مقارنة مع 19 بالمئة قبل الفوضى التي ضربت البلاد في 2011، مشكلا واحدا من أعلى المعدلات في أفريقيا.
وفي المقابل، تراجع مستوى الادخار خلال نفس الفترة من 23 بالمئة إلى 13 بالمئة، الأمر الذي دفع تونس إلى اللجوء للتداين الخارجي لضمان تمويل الميزانية.
ووفق عمران، يشكو النظام الضريبي نقائص كثيرة بما في ذلك التشعب الإداري وتعدد القوانين، ذلك أنه تم اتخاذ أكثر من 500 إجراء ضريبي جديد في السنوات الثماني الأخيرة، وهو ما يكبل مناخ الأعمال ويجعله طاردا للمستثمرين.
وتعاني تونس من اختلال في التوازنات المالية بسبب بطء الحكومة في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية وخاصة في ما يتعلق بملف الفساد بسبب المحاصصة الحزبية ووجود شبهات سيطرة لوبيات الأعمال على المشهد السياسي في الدولة.
وتؤكد بيانات حكومية أن الضرائب تساهم بأكثر من 60 بالمئة في تمويل ميزانية الدولة سنويا، رغم أنه تم تخفيف هذا البند في الميزانية الحالية.
وكان مستشار رئيس الحكومة المكلف بالإصلاحات الجبائية فيصل دربال قد قال في شهر فبراير الماضي إن “حجم التهرب الضريبي بلغ نحو 25 مليار دينار (8.3 مليارات دولار) منذ العام 2011″، وهي مستويات تنسجم مع تقديرات الخبراء.
ويقول الخبير حسام الدين التعبوري إن التهرب الضريبي يكلف تونس سنويا حوالي نصف مليار دولار، أي ما يعادل 25 بالمئة من الأموال المرصودة للتنمية في ميزانية العام الجاري.
وأكد أن من شأن هذه المبالغ تغيير المشهد التنموي في العديد من مناطق البلاد، وبالتالي فإن السلطات ستكون غير مجبرة على البحث عن مصادر تمويل مكلفة من خلال الاقتراض.
وأوضح أنه إذا تم تخصيص تلك الأموال كل عام لثلاث ولايات فقط، فإنه بمقدور الدولة تحسين البنية التحتية والخدمات العامة، بالإضافة إلى ظروف التنمية، التي تسمح بالتالي من إنعاش الاستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة.
ومن الواضح أن تطوير التشريعات المتعلقة بالجباية ودعم الموارد البشرية وتوفير الدعم اللوجستي اللازم أصبحت أمورا ملحة أكثر من أي وقت مضى.
ويرجع منصف بودن كاتب الدولة السابق المكلف بالجباية عدم الاستقرار الضريبي إلى الإمعان في تغيير الإجراءات والتدابير، ما ولد حالة من عدم الانضباط الجبائي.
وأوضح خلال مداخلته في الملتقى أن حوالي 48 بالمئة من الشركات العاملة في البلاد لا تحترم المواعيد المحددة لتقديم تصريحاتها الجبائية.
وقال إن “مشكلة تطبيق القانون خاصة ضد المتهربين ضريبيا لا يمكن حلها إلا من خلال تعزيز المراقبة الميدانية ومن الضروري اليوم حشد جميع الموارد البشرية واللوجستية والمعلوماتية لمواجهة التهرب الضريبي”.
وبحسب الأرقام الرسمية، فإن هناك 1600 مراقب فقط يتبعون لمصلحة الضرائب ربعهم لا يقوم بعمليات معاينة ميدانية، مما يعني أن 99 بالمئة من المؤسسات الاقتصادية والشركات لا تخضع للمراقبة الضريبية كل عام.
ويعتقد التعبوري أنه من الضروري تبسيط الإجراءات المتعلقة بالتصريح على الضريبة عبر رقمنة التعاملات للابتعاد عن التعامل المباشر مع الإدارة للحد من ممارسات الفساد وتكريس الشفافية.
وتظهر البيانات الرسمية أن الإيرادات الضريبية زادت بشكل كبير منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، إذ بلغت 10 مليارات دولار في العام الماضي، مقابل 4.1 مليار دولار في 2010 مع الاختلاف في سعر صرف الدينار بين الفترتين.
ويؤكد البعض من المختصين أن هذه الزيادة لم تكن مدفوعة بالنمو الاقتصادي للدولة، بل كانت تأتي عن طريق التضخم.
وحث المنتدى الإقليمي العربي للضرائب الشهر الماضي حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها تونس، على الإسراع في تصحيح مسار برنامج تطبيق الضرائب.
رياض بوعزة
صحافي تونسي