لم يمرّ قرار تونس بتعليق المفاوضات حول اتفاق التبادل التجاري الحرّ والشامل مع أوروبا بسلام، إذ سارع سفير الاتحاد الأوروبي بتونس باتريس برغاميني، إلى مهاجمة رجال الأعمال التونسيين متهماً إياهم باحتكار السوق ومنع فرص العمل أمام المستثمرين الشباب ما تسبب في إفشال المفاوضات.
وأشار سفير الاتحاد الأوروبي إلى أن القرار التونسي يرجع إلى الضغوط التي مارسها رجال الأعمال التونسيين على الحكومة، من أجل حماية مصالحهم من انفتاح السوق متهماً لوبيات (مجموعات ضغط من المستثمرين) باحتكار الاقتصاد ومنع تطويره.
بدوره أعلن اتحاد الصناعة والتجارة التونسي، بصفته ممثلاً للقطاع الخاص، في بيان له، أول من أمس، رفضه لتدخّل سفير الاتحاد الأوروبي في المشهدين السياسي والاقتصادي الوطنيين، بما وصفه بـ"الطريقة السافرة"، بعد فشله في ملف أليكا، "قبل شهرين من الانتخابات، ما يطرح العديد من التساؤلات حول أجندة الاتحاد الأوروبي، حسب البيان.
واتهم اتحاد الصناعة والتجارة برغاميني بالافتراء وتقديم معلومات مغلوطة، بشأن زيادة حصة تونس من صادرات الزيت، معتبرة أن الفاعلين الاقتصاديين من المجموعات العائلية الاقتصادية التونسية، مكون رئيسي في النسيج الاقتصادي الوطني على غرار بقية بلدان العالم.
وقال سفير الاتحاد الأوروبي لجريدة "لوموند" الفرنسية، إنّ الاقتصاد في تونس تحكمه "لوبيات" تتحكم فيها عدد من العائلات النافذة، التي تسعى لخدمة مصالحها الشخصية، وتمنع ظهور فاعلين اقتصاديين جدد.
واعتبر المسؤول الأوروبي أن "هذه الأطراف تتصدى لكافة محاولات إرساء الشفافية والمنافسة الشريفة والحوكمة في القطاع الاقتصادي، داعياً في نفس السياق إلى ضرورة إعادة توزيع الثروة في تونس ودعم الطبقة الوسطى، لتشكل عنصر جذب للطبقات الأقل وتقليص الفجوة مع الطبقة الغنية".
كما اتهم برغاميني في تصريحاته لـ"لوموند"، الأربعاء الماضي، رجال الأعمال التونسيين بعرقلة الصادرات من زيت الزيتون، بعد منح الاتحاد الأوروبي لتونس حصة إضافية منذ عام 2018، مشيراً إلى أن الناشطين في القطاع لم يسمحوا بزيادة صادرات بلادهم، خوفاً من دخول متعاملين جدد إلى السوق التي يحتكرونها.
وأثارت تصريحات السفير الأوروبي موجة من الغضب في الأوساط الاقتصادية التونسية، التي رأت فيها إساءة إلى سمعة المتعاملين الاقتصاديين، وحطاً من دورهم في خدمة اقتصاد بلدهم.
وقال عضو اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال)، ورئيس غرفة مصدري زيت الزيتون عبد السلام الواد، إن ادعاءات برغاميني بشأن عرقلة رجال الأعمال صادرات الزيت لا أساس لها من الصحة، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي الذي يسعى إلى السيطرة على قطاع الزيت في تونس ينزعج من منافسة أسواق جديدة له.
وأضاف الواد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ من حق المتعاملين الاقتصاديين التونسيين فك الارتباط مع أوروبا والبحث عن أسواق تصديرية لهم.
ونفى الاتهامات الأوروبية بشأن احتكار لوبيات عائلية للاقتصاد التونسي، مؤكداً أن قانون المنافسة يوفر الحماية الكافية لكل الناشطين بما في ذلك صغار المستثمرين. وأكد حق تونس في تعليق أي اتفاق تجاري لا يخدم مصالحها.
وأعلنت تونس الأسبوع الماضي، تعليق المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة الشاملة مع الاتحاد الأوروبي "أليكا"، إلى أجل غير مسمى، بعدما لاحظت "خللاً" في سير التفاوض مع الشريك الأوروبي، الذي كان ينتظر أن توقع معه الجزء الأخير من الاتفاقية قبل نهاية العام الحالي.
وبسبب موقعها العالمي المتقدم إنتاجاً وتصديراً، واجهت تونس في السنوات الماضية منافسة شرسة من قبل الدول المنافسة (إيطاليا وإسبانيا)، التي فرضت شروطاً مشددة لتمكين المصدرين من النفاذ إلى السوق الأوروبية، التي تستأثر بنحو 77% من صادرات البلاد من هذه المادة الحيوية.
وقال اتحاد الصناعة والتجارة، بأنه سيقدم كل المعطيات والتفاصيل خلال الأيام القادمة حول الملفات التي أثارها المسؤول الأوروبي، مستنكراً في الآن ذاته ما سماها "لغة المنّ والتضخيم" في حديث برغاميني عن المساعدات، التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لتونس في إطار برامج التعاون المشترك.
وسبق للبرلمان الأوروبي أن وافق في فبراير/ شباط 2016، على توسيع مظلة الإعفاء الجمركي لواردات زيت الزيتون من تونس بمقدار 35 ألف طن سنوياً، لتصبح نحو 92 ألف طن، وذلك في عامي 2016 و2017، بهدف دعم الاقتصاد التونسي، غير أن البرلمان الأوروبي اشترط في قراره، إجراء مراجعة تحسباً لأي ضرر قد تسببه هذه الإعفاءات لمنتجي زيت الزيتون الأوروبيين.