استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي يفتح الباب أمام مساعدات أخرى من كبار المانحين.
تتابين الآراء والمواقف داخل الأوساط الاقتصادية حول قدرة الحكومة التونسية الجديدة على إخراج البلد من نفق الأزمة المالية المزمنة، على الرغم من أن زيارة بعثة صندوق النقد الدولي تعطي إشارات قوية على أنه بالإمكان القيام بذلك، في حال تم الاتفاق على فتح خط ائتماني مقابل القيام بإصلاحات حقيقية.
تونس- بدأ فريق من صندوق النقد الدولي الخميس زيارة إلى تونس تستمر أسبوعا لإحياء المفاوضات التي توقفت قبل أشهر، للحصول على قرض قد يكون أول مفاتيح معالجة حكومة نجلاء بودن للاختلالات المالية العميقة، في اختبار هو الأصعب لإنعاش الاقتصاد المتعثر.
وتسعى تونس للحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليارات دولار من الصندوق حتى تتسنى لها مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة، التي كبلتها التجاذبات السياسية وزادت من أعبائها المشكلة الصحية المنجرة عن تفشي الجائحة.
وتعطي هذه الخطوة مؤشرا على أن تونس لديها من الأسلحة ما يمكنها إقناع الصندوق بالإسراع في مدها بالقرض. كما أنها تعد رسالة طمأنة للمستثمرين بأن الحكومة باستطاعتها لملمة الفوضى الاقتصادية والبدء بتحريك عجلات النمو وفق معايير شفافة.
ويعتقد الكثير من الخبراء بأن المحادثات مع الصندوق في هذا التوقيت للحصول على قرض، قد تفتح بدورها الباب أمام مساعدات ثنائية أخرى من مانحين كبار. وكانت المديرة العامة لصندوق النقد كريستالينا جورجيفا قد قالت خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت الأربعاء الماضي، إن “تونس تحتاج بوضوح إلى إصلاحات اقتصادية عاجلة وهادفة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد ووضع المالية العامة على مسار مستدام”.
وتعترض الحكومة والرئيس قيس سعيّد طريق وعر لإقناع الأسواق والمانحين الأجانب بأن البلاد مستعدة لمناقشة حزمة إنقاذ مالية. لكن بودن قالت خلال وقت سابق هذا الأسبوع إن “موازنة المالية العامة وتنفيذ إصلاحات اقتصادية سيكونان أولوية”، في أول إشارة إلى نية الحكومة تنفيذ إصلاحات يطالب بها مقرضون لإنعاش الاقتصاد، بينما ترزح البلاد تحت أسوأ أزمة مالية.
وحتى قبل الجائحة، واجهت تونس صعوبة في إعادة الدين العام والعجز المالي إلى مسار مستدام، ثم تضرر اقتصادها من إغلاقات وانهيار في قطاع السياحة بسبب الجائحة. ومع حلول الصيف الماضي كانت بحاجة إلى مساعدة عاجلة.
ويريد المانحون من تونس أن تطلق سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية ذات مصداقية، من المحتمل أن تشمل الدعم وفاتورة رواتب القطاع العام والشركات المملوكة للدولة التي تتكبد خسائر، من أجل كبح العجز والديون.
ولم تفلح الحكومات السابقة في وضع الاقتصاد على السكة الصحيحة، حيث عجزت عن تنفيذ الإصلاحات التي تعهدت بها، ولم تستكمل حتى بقية قروضها من صندوق النقد.
وبعد مفاوضات شاقة استطاعت تونس في 2016 انتزاع موافقة صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار، ومع ذلك لم تنفّذ التزاماتها المتفق عليها، إذ لم تحصل إلا على نصف ذلك المبلغ.
وقبل ذلك التاريخ حصلت في 2013 على قرض من الصندوق بقيمة 1.7 مليار دولار، لكن تونس لم تلتزم بما هو متفق عليه وحصلت على مليار دولار فقط.
ويرى بيتر أتانسوف نائب رئيس غرامرسي، وهو صندوق معروف للديون المتعثرة، أن خطر إعادة هيكلة الدين السيادي زاد من “وجهة نظرنا”. ونسبت وكالة رويترز إلى أتانسوف قوله إن “مشكلات تونس السياسية جعلت من غير المرجح تنفيذ إصلاحات مطلوبة للحصول على قرض صندوق النقد الدولي”.
وظهرت مخاوف السوق جلية في عوائد السندات التونسية، بما يعكس القدر الذي ستضطر الحكومة إلى دفعه للاقتراض من أسواق رأس المال الدولية، إذ ارتفعت إلى حوالي 16 في المئة.
وهذا أكثر من ضعفي ما تحتاج باكستان إلى دفعه، رغم أن لديها نفس التصنيف الائتماني بي – وتعتمد بشكل كبير على مساعدات صندوق النقد. كما أنه أعلى أيضا بكثير مما تضطر الإكوادور إلى دفعه وهو تسعة في المئة، والتي تعثرت مؤخرا عن سداد ديون.
وقال فيكتور سزابو، مدير الاستثمار في شركة أبردن في لندن وهي من الجهات الدائنة لتونس، “يحتاجون بوضوح إلى برنامج من صندوق النقد الدولي وإعادة بناء مواردهم، ثم اللجوء إلى السوق في غضون ثلاث سنوات أو نحو ذلك”.
وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي قد أطلق تحذيرات الأسبوع الماضي عقب نشر بيانات صادمة عن الاقتصاد، من أن تمويل الموازنة داخليا ينطوي على مخاطر اقتصادية مثل تأجيج التضخم وتقليص الاحتياطات النقدية وإضعاف العملة المحلية.
ولكنه أشار بعد وقت وجيز من اجتماع مجلس المركزي إلى أن “أصدقاء تونس مستعدون لمساعدتها”. لكن ربما لن يكون هناك الكثير من الدعم الذي بإمكانهم تقديمه دون اتفاق أولا مع صندوق النقد.
ويقول خبراء إن العباسي بقيادته للمركزي، الذي يحوز احتياطات نقدية تبلغ نحو 7.4 مليار دولار، بدأ في الظهور كشخصية محورية في جهود إنقاذ الاقتصاد. وقد عكف على إعداد مقترحات لمناقشتها مع صندوق النقد.
وفعليا، تحتاج تونس هذا العام إلى ما لا يقل عن 3.5 مليار دولار لتمديد أجل الديون الخارجية ودفع رواتب مئات الآلاف من الموظفين في القطاع العام. وقال البنك الدولي في تقرير نشره الثلاثاء الماضي إن ديون تونس الخارجية ارتفعت بشكل لافت خلال العام 2020، نتيجة تداعيات الوباء.
وأشار التقرير إلى أن إجمالي ديون تونس الخارجية تجاوز عتبة 40 مليار دولار، حيث بلغ في العام الماضي قرابة 41 مليار دولار، مقابل 39.3 مليار دولار في العام 2019.
واعتبر الرئيس الشرفي للجمعية التونسية للثقافة المالية أحمد كرم خلال تصريحات لإذاعة إكسبرس أف.أم المحلية، أن تغيير الأوراق النقدية المتداولة حاليا يمكن أن يساعد في الخروج من الأزمة الاقتصادية. وقال إن “قرابة 17 مليار دينار (6 مليارات دولار) يتم تداولها في السوق الموازية، أي أنها خارج القنوات الرسمية، ولذلك من الضروري القيام بامتصاصها عبر إصلاحات عميقة”.