طرح ملف الأموال الليبية المجمدة في تونس بقوة عقب الزيارة التي أداها رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إلى تونس، في وقت يتحدث فيه برلمانيون عن ضلوع رجال أعمال في تهريب جزء من الثروة الليبية عبر المعابر والبنوك التونسية.
وتعيق عملية استعادة الليبيين لأموالهم من تونس العديد من الإشكاليات، منها أن هذه الأموال دخلت إلى البلاد خارج الطرق النظامية الرسمية، وهو ما يصعب حصرها وإعادتها إلى أصحابها.
وأكد محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي خلال جلسة استماع له مؤخرا في لجنة الإصلاح الإداري بالبرلمان، أن السلطات التونسية تعمل على حل ملف الأموال الليبية المحجوزة لديها منذ 2011، والتي وقع تجميد جزء منها بطلب من السلطات الليبية.
وأعلن أنه وقع تشكيل لجنة مشتركة تجمع ممثلين عن البنك المركزي التونسي والليبي والجمارك لحل هذا الإشكال، مؤكدا إمكانية التفاوض حول الأموال التي تتعلق بقانون تهريب الأموال من أجل تسهيل التعاون التونسي الليبي مستقبلا.
200 مليون دينار
وأوضح الخبير المالي محمد صالح الجنايدي أنه لا توجد إلى حد الآن معطيات رسمية عن حجم الأموال الليبية المجمدة في تونس، مقدرا قيمتها بـ 200 مليون دينار تونسي.
وأضاف "لا يمكن حصر حجم هذه الأموال، لأن بعضها دخل إلى تونس عن طريق القطاع المنظم أي عن طريق البنوك التونسية والتي يمكن استعادتها بسهولة، لكن الإشكال يبقى في أن جزءا من هذه الأموال دخل إلى البلاد بطرق غير نظامية إما عن طريق الأشخاص أو عن طريق المقايضة بالسلع".
ولفت إلى أن بعض الليبيين هربوا أموالهم إلى تونس سنة 2011 خوفا من الحرب، ولكنهم لم يلتزموا بقانون الدولة التونسية الذي يستند مثل كل دول العالم إلى قواعد مضبوطة في المعاملات المالية وتراتيب الصرف.
وأشار الجنايدي إلى أن السلطات التونسية فتحت المجال سنة 2012 لقبول دخول الأموال الليبية إلى البلاد بعد أن أعطى البنك المركزي التونسي الإذن لأصحاب الشركات والمواطنين الليبيين بفتح حسابات بنكية، لكنها تجاهلت المعاملات المالية والإدارية وهو ما تسبب في بقاء هذه الأموال عالقة إلى اليوم.
وتابع "كان من المفترض أن يتم حلّ هذا الإشكال منذ سنة 2012، لكن الظروف الأمنية والسياسية في ليبيا لم تكن ملائمة لخوض مفاوضات بشأنها، ومع تحقيق استقرار نسبي في ليبيا أصبح بإمكان الحكومة الجديدة أن تفاوض على استعادة الأموال المجمدة في تونس أو تلك التي وقع تهريبها إلى الدول الأوروبية".
ويرى الجنايدي أن حل هذا الاشكال مرتبط أساسا بأمرين، أولهما الجانب السياسي والحال أن تونس أبدت تعاونها في إرجاع هذه الأموال، وثانيهما الجانب التقني عن طريق مراجعة قانون الصرف والتحقيق في مصادر الأموال المتأتية بطرق غير نظامية.
وقال الخبير المالي "لا يجب أن يطرح هذا الملف خلافا بين تونس وليبيا، خاصة وأن للتونسيين أيضا ممتلكات في جارتهم الشقيقة واستثمارات مستقبلية محتملة ضمن مخطط إعادة الاعمار في ليبيا".
الأموال المجمدة مقابل ديون المصحات
ولفت المختص في الشأن الاقتصادي رضا بن محمد إلى أن ملف الأموال الليبية المجمدة يحظى باهتمام جدي من الحكومة الليبية، خاصة مع إصدار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة قرارا بتشكيل لجنة تعنى بمتابعة رفع القيود عن الأموال والممتلكات الليبية المصادرة في تونس.
وأضاف في تصريح أن السلطات التونسية تسعى من جانبها إلى مقايضة هذه الأموال بالديون الليبية المتراكمة لفائدة المصحات التونسية التي لم يسددها الليبيون طيلة فترة الحرب رغم أن سفارتهم ضمنت استخلاصها.
وقدرت غرفة المصحات الخاصة في تونس حجم هذه الديون في حدود 250 مليون دينار باعتراف من السفارة الليبية في تونس.
ودعا بن محمد رئاستي الجمهورية والحكومة إلى التفاوض بشأن الديون التونسية، تزامنا مع العمل على حل ملف الأموال الليبية المجمدة، معتبرا أن إعادة هذه الأموال ليست بالمهمة الصعبة خاصة وأن جزء هاما منها موجود في البنوك المحلية التونسية.
تهريب وتبييض للأموال؟
ولطالما أثارت الأموال الليبية تساؤلات حول المسار الذي اتخذته فور خروجها من ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011، ومخاوف أكبر من استغلالها في التهريب وتبييض الأموال.
حيث أشار رئيس لجنة الاصلاح الإداري ومكافحة الفساد بالبرلمان بدر الدين القمودي خلال جلسة الاستماع إلى محافظ البنك المركزي إلى ضلوع رجال أعمال في تهريب عشرات مليارات الدولارات من ثروة الشعب الليبي عبر المعابر النظامية والبنوك التونسية.
لكن الخبير المالي محمد بن رمضان استبعد هذه الفرضية، متسائلا "كيف يمكن استغلال هذه الأموال في حين أن السلطات التونسية اتخذت قرارا بتجميدها ومنع سحبها؟".
وأوضح أن لجنة التحاليل المالية صلب البنك المركزي التونسي أعدت تقريرا سنة 2016 حول المعاملات المالية التونسية الليبية، خلص إلى أن جزءا من الأموال الليبية دخل إلى تونس عبر عمليات مالية وتجارية معقدة الهدف منها المضاربة وتبييض الأموال.
وتابع "ولهذا السبب أُدرجت تونس ضمن قائمة الدول المتهمة بتبييض الأموال، وهو ما قاد البنك المركزي التونسي آنذاك إلى إعطاء الإذن بتجميد الأموال الليبية بناء على قرار قضائي، حفاظا على سمعة تونس ومركزها المالي".
ويقول الباحث الليبي عز الدين عقيل: "يتوجب على السلطات الليبية أن تفتح تحقيقا ماليا مستقلا فور رفع العقوبات عن أموالها لمعرفة ما إذا كانت بعض الدول قد استغلتها في تبييض الأموال أو التهريب".
وبيّن عقيل أن مجلس الأمن عطّل عودة الأموال الليبية بحجة أن البلاد لم تصل بعد إلى حالة الاستقرار وأن الحكومات السابقة لم تكن مؤتمنة على هذه الأموال، في حين أن بعض الدول استغلت الأموال الليبية وروجت إلى كونها مجمدة.
وتابع "تعودت بعض الدول الرأسمالية أن تستغل البلدان التي تمر بحالة حرب مثل العراق وليبيا وإيران من أجل الاستفادة من أموالها المصادرة وربما أصبحت هذه الأموال جزءا من دخلها القومي".