طمأنة الحكومة لا توقف المطالبات بتوفير اكتفاء غذائي ذاتي.
مع تصاعد القتال في أوكرانيا بين القوات الروسية والأوكرانية بدأ العالم يواجه تداعيات ذلك على مستوى أسعار النفط وإمدادات الغذاء. وتونس ليست استثناء؛ إذ سعت الحكومة إلى بعث رسائل طمأنة بشأن وجود مخزون كاف من القمح، إلا أن الأصوات الداعية إلى النهوض بالقطاع الفلاحي في البلاد تتصاعد من أجل تأمين اكتفاء غذائي ذاتي دون البقاء رهينة للاستيراد.
تونس - تُكابد تونس لتوفير أمنها الغذائي بالتزامن مع تصاعد المعارك في عدة جبهات في أوكرانيا، حيث بعث إعلان الحكومة عن امتلاكها كميات كافية من القمح وفتح مناقصة لشراء كميات جديدة برسائل متناقضة حول جاهزية البلد لمواجهة الأزمة الناجمة عن استمرار القتال بين القوات الروسية ونظيرتها الأوكرانية.
وحاول وزير الفلاحة التونسي محمود إلياس حمزة بعث رسائل طمأنة حيث صرح بأن مدخرات البلاد من القمح متوفرة إلى حدود شهري ماي وجوان، وأنه سيتم استهلاك صابة الحبوب من المحصول الوطني بعد ذلك.
لكن رسائل التطمين هذه لم تكف لوقف المطالبات بضرورة التفكير في تأمين الاكتفاء الغذائي الذاتي خاصة أن تونس لها مساحات واسعة يمكن استغلالها زراعيا بما يحقق لها اكتفاءً ذاتيّا.
وقال رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبدالمجيد الزار إن “تونس قادرة على تحقيق اكتفائها الذاتي الغذائي بما في ذلك القمح والشعير، وعليها التفكير في استراتيجية لذلك”.
وأضاف الزار أنه “طيلة سنوات لم تكن هناك سياسة واضحة، أي خيارات وبرنامج للحكومات لتحقيق اكتفائنا الذاتي، وهذا نبهنا إليه، وتطرقنا في أكثر من مرة إلى السيادة الغذائية التي تعد أبعد من الأمن القومي”.
وأوضح أن “تونس اليوم أمام حرج إن لم أقل إشكاليات في الوقت الذي كان فيه بالإمكان تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح والشعير وغيرهما. لا بد أن تضع الحكومة برنامجا لتحقيق الاكتفاء الذاتي، إذا تم وضع برنامج نصبح قادرين على تحقيق اكتفاء ذاتي، لأن المسألة تدخل فيها عدة اعتبارات مثل التغير المناخي وربحية الفلاح. وعلى الدولة التدخل من أجل ضبط أسعار الحبوب وغير ذلك من المعطيات التي هي في علاقة بربح الفلاح”.
وتمتد الأراضي الزراعية في تونس على مساحة 10 ملايين هكتار (5 ملايين هكتار من الأراضي الزراعيّة والباقي مراع وغابات) أي ما يقارب 65 في المئة من مساحة البلاد.
ورغم حالة الإهمال التي يقول الخبراء إن الفلاحة التونسية تعاني منها إلا أن ذلك لم يمنعها من تأمين حوالي 12 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وتساهم في تشغيل حوالي 13.4 في المئة من اليد العاملة.
ويقول هؤلاء الخبراء إن العوامل التي تُكبل الفلاحة تتمثل في إهمال الحكومات المتعاقبة لهذا القطاع، وهو الإهمال الناجم عن الرغبة في استيراد القمح من الخارج ضمن عمليات تدر أموالا طائلة على اللوبيات.
واعتبر الخبير والمحلل السياسي رافع الطبيب أن “الفساد هو الآفة الوحيدة التي نخرت جل القطاعات في تونس، لكنها قضت على الفلاحة؛ ذلك أن البعض يتمعش من استيراد القمح المسرطن من أوكرانيا؛ إذ تذهب الأموال إلى اللوبيات، إنه من أفظع أنواع الفساد في العالم، وفي نفس الوقت لا يتم ربط مسألة استيراد القمح بالأمن القومي”.
وأشار الطبيب إلى أن “تحقيق الاكتفاء الغذائي هو مسألة أمن قومي، أستغرب من استيراد غذائنا من الخارج، ما هذه البلدان التي تأكل من وراء البحار، وهي لديها الملايين من الهكتارات وفيها أمطار وكل العوامل التي تجعلها متميزة عن بقية الدول؟ مشكلتنا ليست مشكلة أمطار أو غيرها”.
وشدد على أن 3 ولايات فقط في الشمال الغربي التونسي قادرة على تأمين غذاء 25 مليون مواطن حسب بعض الدراسات، لكن الإشكال الأول يكمن في السياسة وتمركز اللوبيات في مفاصل الدولة، والإشكال الثاني مجتمعي يهم ملكية الأراضي التي تتفكك على المستوى العقاري ما يجعل الفلاحة غير مجدية، علاوة على غياب سياسة تشجع الفلاحة بدعم الفلاحين.
ويأتي ذلك في وقت تعرف فيه تونس أزمة اقتصادية حادة ما يجعلها في أمس الحاجة إلى تعبئة مواردها المالية، خاصة في ظل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي حققت تقدما اقتصر على الجانب الفني.
وقال الطبيب “هناك مشكلة، فمن ناحية لا تدعم الفلاح التونسي ومن ناحية أخرى تخرج لشراء حبوب من السوق الدولية بالعملة الصعبة!”.
وما يزيد من الحاجة إلى التفكير في سياسة وطنية تعطي الأولوية للفلاحة هو التحذيرات المتصاعدة من التغيرات المناخية التي تشهدها تونس؛ حيث سبق وأن حذرت دراسات دولية ومحلية من أن تونس مهددة بفقدان مواردها الطبيعية، إذ يتوقع أن تواجه نقصا حادا في محاصيل الحبوب بسبب الجفاف الذي سيطال ما معدله ثلث المساحة المزروعة، لتصل هذه المساحة إلى مليون هكتار فقط بحلول 2030.
صغير الحيدري
صحافي تونسي