منظمو مهرجان بني عمار يختارون الاحتفاء بالحمار لدوره الأساسي في اقتصاد وحياة سكان القرية.
اعتادت المجتمعات أن تحتفي بالمرأة وجمالها فتتوجها ملكة في مسابقات تنافسية تخضع لمقاييس صارمة في أغلب الأحيان، لكن سكان قرية بني عمار في المغرب كسروا القاعدة واعترفوا بجهود الحمير في تيسير شؤون الحياة، فنظموا لها مهرجانا ومسابقة جمال للأتان.
بني عمار (المغرب) – دخلت الأتان “كليوباترا” تاريخ قرية بني عمار بتتويجها في مسابقة أجمل حمار عقب اختتام فعاليات مهرجان تحتضنه هذه القرية الواقعة وسط المغرب، ويسعى إلى “إنصاف” هذا الحيوان “الوفي الخدوم”.
ويقول صاحبها عبدالجليل (26 سنة) “سميتها كليوباترا تيمنا بجمال هذه الملكة الفرعونية. أعتمد عليها كثيرا لكنني لا أتعبها في العمل”.
واختار منظمو مهرجان بني عمار، الذي استؤنف هذه السنة بعد توقف لخمس سنوات بسبب صعوبات مالية، الاحتفاء بالحمار “لدوره الأساسي في اقتصاد وحياة سكان القرية”، على ما يوضح مديره محمد بلمو.
ويعدّ الحمار وسيلة تنقّل أساسية بين المسالك الجبلية في قرى المغرب وفي الأزقة الضيقة لبعض المدن العتيقة، فضلا عن استعماله في حرث حقول المزارعين الصغار. لكن صورته في الثقافة الشعبية لا تزال سلبية مقرونة بالغباء.
وبحسب بلمو، يهدف مهرجان بني عمار، منذ انطلاقته سنة 2001، إلى “رد الاعتبار لهذا الحيوان الذي ظل صديق الإنسان عبر التاريخ، رغم ما يتعرض له من تحقير وتعنيف.. وتحقيق إشعاع للقرية يساعد في تنميتها”.
يضع عبدالجليل إكليلا من الورد على رأس “كليوباترا” مغطيا ظهرها بثوب أبيض مطرّز على الطريقة المحلية. أما منافسه محمد (47 سنة) فاكتفى بوضع إكليل من ورد بين أذني الأتان “ملكة الغروب” التي يملكها.
وإلى جانبهما تشارك أتان ثالثة وأربعة حمير ذكور في المسابقة المقامة في ملعب في حضن جبل وسط القرية تتراءى منه سهول شاسعة.
يتقدّم كل مشارك مع حماره وسط تصفيق جمهور جلّه أطفال وشباب. ويعتبر التجاوب بين الحمار وصاحبه ضروريا لإقناع لجنة التحكيم التي ضمت فنانين وطبيبا بيطريا، فضلا عن صحته وزينته.
وهي المرة الأولى التي تشارك فيها أكثر من أتان في المسابقة، حيث تعدّ تربية أنثى الحمار أمرا معيبا في تقاليد سكان القرية. ولم تظهر سوى أتان واحدة طيلة دورات المهرجان السابقة.
ويحاول عبدالجليل ومحمد وبعض شباب القرية تغيير هذه الثقافة، ليس فقط لاقتناعهما بـ”المساواة” بين الحمير من الجنسين، ولكن أيضا لتطلعهما إلى إنتاج حليب الأتان وتصديره.
ويقول محمد “أملك حمارا لكنني لم آت به للمسابقة، اخترت المشاركة مع ‘ملكة الغروب’ لأعيد الاعتبار للأتان وأعلي من قيمتها أمام سكان القرية”.
ويتابع متحمسا “سمعت أن حليب الأتان يباع غاليا، آمل أن نتمكن من تأسيس تعاونية لإنتاجه وتصديره”.
ويوضح بلمو أن منظمي المهرجان لديهم فعلا تصور لمشروع اقتصادي يتضمّن إنتاج حليب الأتان، وتثمين منتجات القرية الزراعية مثل زيت الزيتون والتين. ويأمل أن يساعد تسليط الضوء على القرية من خلال المهرجان في تسهيل الحصول على تمويل للمشروع.
قبل بدء مسابقة الجمال، كان جمهور المهرجان على موعد مع سباق آخر للسرعة، شارك فيه حوالي 20 حمارا على مسافة ألف متر.
وشارك التلميذ مهدي (17 سنة) بحماره “بلوثوت” الذي يعيش معه منذ 3 سنوات “ويمكن أن يكون أحيانا أعقل من الإنسان” حسب قوله، بينما استعار زميله أنس (17 سنة) حمارا سريعا من جيران العائلة أملا في الفوز.
أما العامل الزراعي عبدالرحيم (43 سنة) فيأسف لعدم قدرته على “تحقيق حلم شراء حمار يعتني به ويؤنس وحشته”. لكن ذلك لا يمنعه من مشاركة الفائزين فرحتهم عند خط الوصول، حيث يهتف الجميع “عاش الحمار! عاش الحمار!”.
نجح “بلوثوت” في الحلول بين الأربعة الأوائل ما أهله للمشاركة في مسابقة الجمال إلى جانب “فويغو” و”رامبو” و”صديق لم لا”. وتختلف الروايات حول أصل تسمية الأخير، بين قائل إنه تربى مع الحمار “لم لا” الذي فاز سابقا بلقب المسابقة، ومن يذهب إلى أن الحمارين لم يعرفا بعضهما وإنما سمي الثاني “صديق لم لا” تيمنا بالأول.
ويرجح أن تسرق “كليوباترا” أضواء الشهرة من كل حمير القرية كونها أول أتان تحمل تاج مسابقة الجمال.
ونال عبدالجليل جائزة قدرها 2500 درهم (حوالي 240 يورو) وكيسا من الشعير موجها لـ”كليوبترا” التي سيحتفى بها طيلة السنة من خلال إشراكها في أنشطة ثقافية محلية.