أردوغان حرص على عدم الظهور مصطفا مع طهران بعد مقتل سليماني باتخاذه مسافة حذرة بين طرفي الصراع الأميركي الإيراني.
على عكس بعض المواقف الدولية التي أدانت بشدة المخاطر التي يتسبب فيها النظام الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، حاولت أنقرة الوقوف في المنتصف باتخاذها مسافة حذرة بين طرفي الصراع الأميركي الإيراني خاصة بعد قتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني وفي ما تسميه إيران ردّا عبر قصف قاعدة عين الأسد في العراق. واكتفت أنقرة في معظم بياناتها بدعوة الطرفين إلى تجنب التصعيد وتهديد أمن المنطقة، حيث يريد رجب طيب أردوغان الحفاظ على علاقة جيدة بحليفين أساسيين في المنطقة.
نيكولاس مورغان
أنقرة - وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بسبب قتل الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، حذرت تركيا من تقويض استقرار المنطقة، لكنها كانت حريصة على عدم رؤيتها وهي تنحاز لأحد الطرفين في صراع بين حليفتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجارتها من جهة الشرق.
ورغم أن الحكومة التركية قد انجرفت دبلوماسيا نحو روسيا في السنوات الأخيرة وأثارت غضب الكثيرين في الإدارة الأميركية والكونغرس من خلال شرائها للصواريخ الروسية وشن هجمات على حلفاء واشنطن الأكراد، فقد تمكن الرئيس رجب طيب أردوغان من الحفاظ على علاقة جيدة مع الرئيس دونالد ترامب أنقذت تركيا من العقوبات.
من ناحية أخرى، تتمتع تركيا وإيران، على نحو غير عادي بالنسبة للمنطقة، بالمئات من السنين دون صراع مباشر وحافظتا على علاقات ودية، حتى مع دعمهما للفصائل المتناحرة في الحرب الأهلية في سوريا وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط.
كانت تركيا سريعة في الرد على مقتل سليماني في غارة أميركية بطائرة دون طيار في العراق في الثالث من يناير، قائلة إن هذا “سيزيد من تفاقم انعدام الأمن وعدم الاستقرار في المنطقة” وإن “تركيا كانت دائما ضد التدخلات الأجنبية والاغتيالات والصراعات الطائفية في المنطقة”.
وأصدر أردوغان وفلاديمير بوتين بيانا مشتركا خلال زيارة الرئيس الروسي إلى إسطنبول في الثامن من يناير الماضي لافتتاح خط أنابيب غاز ترك ستريم، ووصفا قتل الولايات المتحدة لسليماني بأنه “عمل يقوض الأمن والاستقرار في المنطقة”.
أردوغان تحدث عن الضغوط الأميركية على إيران، لكنه كان حريصا على ألا يُنظر إليه على أنه يقف مع إيران
ترى إيران وتركيا مصالحهما أكثر توافقا من أي وقت مضى. فهما شريكتان في محادثات السلام بشأن سوريا في أستانة، جنبا إلى جنب مع روسيا. وتعارض كل من تركيا وإيران أيضا أي محاولات كردية للوصول إلى الحكم الذاتي في المنطقة، ودعم الاثنان أيضا دولة قطر في نزاعها مع دول الخليج الأخرى، مما ساعدها على النجاة من الحصار.
لقد تحدث أردوغان مرارا وتكرارا ضد الضغوط والعقوبات الأميركية على إيران، لكنه كان حريصا على ألا يُنظر إليه على أنه يقف في صف الجمهورية الإسلامية بشكل كبير بعد مقتل سليماني.
ونشرت السفارة الإيرانية في تركيا بيانا على تويتر في الخامس من يناير تفصل فيه مكالمة هاتفية بين أردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني. وقالت في البيان إن الزعيم التركي أشار إلى سليماني على أنه شهيد.
ونقلت السفارة عن أردوغان قوله “غياب الشهيد سليماني يصيبنا بالحزن الشديد. الشعب الإيراني، أنا على علم بغضبكم وغضب الزعيم (الأعلى)”.
قال ترامب إنه فوجئ بتعليقات أردوغان، مضيفا في رد على سؤال أحد الصحافيين عن التغريدة الإيرانية “أنا أختلف 100 في المئة. أنا متأكد من أنه كذلك أيضا. لكن لديه جماهير يوليها الرعاية. أعتقد أن هذا هو السبب الخاص به. لقد فوجئت في واقع الأمر بسماع ذلك، لكن حسنا”.
ثم ذكرت محطة تي.آر.تي وورلد التلفزيونية المملوكة للدولة التركية أن مسؤولا تركيا نفى أن يكون أردوغان قد استخدم كلمة شهيد أثناء المكالمة الهاتفية.
يرتبط الرئيسان الأميركي والتركي بعلاقة تحملت تقارب تركيا مع روسيا وشراءها للصواريخ الروسية كما تحملت الهجمات التركية على الأكراد حلفاء الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وكان ترامب يتردد في انتقاد أردوغان طوال فترة العلاقات المستمرة الصعبة بين بلديهما.
وفي الوقت نفسه، تتضارب وجهات نظر تركيا بشأن سليماني. احتفل العديد من المعلقين المؤيدين للحكومة بمقتل الجنرال، ووصفوه بأنه مجرم حرب، وذهب بعضهم إلى حد الترحيب بالهجوم باعتباره ضربة لطموحات إيران في المنطقة.
وتشير التقارير إلى أن سليماني نفسه كان معجبا بنظرائه الأتراك. وذكر موقع ذي إنترسبت أن ملفات المخابرات الإيرانية التي تم تسريبها قالت إن سليماني كانت له علاقة قديمة مع رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، وأبدى إعجابه بكل من داود أوغلو ورئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان. وقد كان هذا في وقت تنافس فيه سليماني مع الرجلين في سوريا، حيث دعمت تركيا وإيران فصائل متناحرة.
وقال أيكان إرديمير، من مركز أبحاث مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية ومقره واشنطن، إن تركيا كانت متناقضة بشأن سليماني.
وأردف قائلا “من ناحية، يرون سليماني منافسا، وهو المسؤول عن المذابح ضد الجماعات السنية المدعومة من تركيا في سوريا. ومن ناحية أخرى، يرون سليماني حليفا قدم الدعم خلال انقلاب تركيا الفاشل في عام 2016 وساعد في سحق استفتاء الأكراد على الاستقلال في عام 2017 والذي عارضته أنقرة وطهران وبغداد في انسجام تام”.
ففي ليلة محاولة الانقلاب في تركيا في يوليو 2016، ورد أن سليماني قد اتصل بالمسؤولين الأتراك للتعبير عن دعمهم في مواجهة المتآمرين. كان القادة الإيرانيون من بين أوائل من أدانوا الانقلاب، مما أدى إلى تحسن العلاقات الثنائية بعد سنوات من الخلاف بشأن سوريا واليمن والشرق الأوسط الكبير.
وقد انضمت إيران أيضا إلى تركيا في معارضة الاستفتاء على الاستقلال عام 2017 الذي أجراه إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق. ودعمت ميليشيات سليماني في العراق بغداد وهي تتحرك لاستعادة المنطقة الغنية بالنفط حول كركوك وقمع التحرك من أجل الاستقلال.
وقال إرديمير إنه على الرغم من أن أردوغان يأتي من تقاليد إسلامية تحترم الثورة الإيرانية، فإن الإسلاميين الأتراك يرون أن إيران منافسة شيعية لتركيا السنية في الشرق الأوسط.