أنقرة تخشى تصاعد نفوذ تيار داخل الجزائر داعم للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
الجزائر- اعتبرت أوساط سياسية الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الجزائر الأحد، بأنها زيارة تهدف أساسا إلى تبديد قلق الجزائر من نشر المرتزقة السوريين المشتبه في انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية في ليبيا.
وقالت المصادر لـ”العرب” إن أردوغان يدرك وجود انقسام داخل السلطة الجزائرية بشأن الأوضاع في ليبيا ويخشى انتصار شق بات يدعو إلى ضرورة مناصرة الجيش الليبي على حساب ميليشيات حكومة الوفاق التي دعمتها أنقرة بمرتزقة سوريين.
ويبني الشق الداعي إلى دعم الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر موقفه انطلاقا من مخاوف من فلول المرتزقة الذين إذا استقروا في ليبيا سيمثلون تهديدا أمنيا لاحقا على الجزائر. ويقود جنرالات المؤسسة العسكرية في الجزائر هذا الموقف.
وأضافت المصادر أن تركيا تريد تقديم إغراءات اقتصادية للنظام الجديد وإذا لم تتمكن من كسبه تماما لصفها على الأقل لا تجعله يميل بعيدا عن حكومة الوفاق.
وبناء على هذا الموقف من المتوقع أن تكون المؤسسة العسكرية قد حملت الرئيس عبدالمجيد تبون رسالة قوية يبلغها لأردوغان مفادها أن ليبيا البلد الغني الذي تنتشر فيه الفوضى ليس سوريا بما يعني أن الإرهابيين إذا استقروا فيها سيكون من شبه المستحيل إبعادهم عنها وسيستميتون في البقاء داخلها.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” إن طموح أردوغان الآن هو أن يصل إلى صيغة للحصول على تسهيلات من الجزائر وهو ما ترفضه المؤسسة العسكرية تماما هناك.
وتصدر الملف الليبي أجندة أردوغان خلال زيارته للجزائر حملت معها بوادر قلق تركي من تصاعد مقاربة رفض التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، خلال قمة برلين الأخيرة واجتماع الجزائر لوزراء خارجية الجوار الليبي.
وحل الرئيس التركي في الجزائر رفقة وفد عال من المسؤولين في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية، بغية الارتقاء بعلاقات البلدين إلى ما وصفه بـ”العلاقات الاستراتيجية “، إلا أن حضور مسؤولين عسكريين ضمن الوفد وعلى رأسهم وزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، أكد أن الزيارة تنطوي على مشاورات مهمة بين البلدين، تتصل بالوضع المتوتر في ليبيا.
وتناولت الزيارة التي تعد الأولى من نوعها في زيارات الدولة، بعد انتخاب عبدالمجيد تبون، ملفات عسكرية واستخباراتية، تتصل بالوضع في ليبيا، على أمل أن يقدم الأتراك ضمانات ميدانية لنظرائهم في الجزائر، حول سلامة إقليمهم ومصالحهم في الحدود، مقابل دعم الموقف التركي من الأزمة الليبية.
لكن نتائج المباحثات بين أردوغان وتبون سارت خارج الطموح التركي، بعد تعبير الرئيس الجزائري عن تمسك بلاده بـ”مخرجات قمة برلين”، حيث صرح في ختام اللقاء “عملنا على اتفاق تام على أن نتبع ما تقرر في مؤتمر برلين، ونسعى للسلم والتنسيق اليومي حول المستجدات”.
وأبدت الجزائر انزعاجا من وصول المرتزقة السوريين الموالين لتركيا إلى طرابلس بالنظر إلى مخاوف الانفلات الأمني والعسكري على الاستقرار الإقليمي في المنطقة، خاصة وأن الجزائر تشترك في أكثر من ألف كلم من الحدود البرية مع ليبيا.
ويتناقض استمرار إرسال تركيا للمرتزقة السوريين مع مخرجات مؤتمر برلين التي دعت إلى ضبط النفس والذهاب لحوار سياسي.
ويراهن الرئيس التركي، خلال زيارته للجزائر على الارتقاء بعلاقات بلاده مع الجزائر إلى مصاف العلاقات الاستراتيجية، من خلال البحث عن شراكة اقتصادية مهمة تنافس شراكة الفرنسيين والصينيين، لاسيما وأن تركيا التي تجمعها مبادلات تجارية مع الجزائر في حدود الأربعة مليارات دولار، تطمح إلى رفعها إلى سقف العشرة مليارات، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الحكومة التركية.
وحضر مع رجب طيب أردوغان، وفد رفيع المستوى في حكومة بلاده، إلى جانب رجال أعمال ومسيري شركات كبرى، لبحث ملفات التعاون الاقتصادي والتجاري، إلا أن الوضع في ليبيا، اقترن بالعلاقات الاقتصادية في مختلف التصريحات والتقارير المتداولة حول الزيارة.
وإلى جانب عقيلته أمينة أردوغان، رافقه كل من وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ووزير الصناعة والتكنولوجيا مصطفى ورانك، وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخرالدين ألطون، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، وهو ما يمثل الطابع الدبلوماسي والاقتصادي وحتى الإعلامي للزيارة، التي ينتظر أن تشمل عددا من الدول الأفريقية.
ويبدو أن الموقف الجزائري الداعي إلى منع أي تدخل عسكري في ليبيا، ودعوة الأطراف الليبية إلى الحوار السياسي على أراضيها، ومزاعمها بالموقف المحايد والمسافة المتساوية بين جميع الليبيين، بات غير مطمئن للأتراك الذين يريدون فرض التدخل العسكري الميداني وشرعوا في إرسال قوات ميدانية إلى ليبيا، وهو ما يعكسه تركيز أردوغان في تصريحاته الأخيرة على الربط بين ما يصفه بـ”الشراكة الاستراتيجية والوضع في ليبيا”.
وتعكس الزيارة الأخيرة لقائد أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، إلى الناحية العسكرية الرابعة (ورقلة)، التي تقع تحت وصايتها الحدود البرية مع ليبيا، مخاوف أمنية من تسرب الإرهابيين إلى الجزائر.